ماكرون أرادها فاصلة حاسمة.. فلمن صوّت الفرنسيون؟ انتخابات فرنسية بوجه أوروبي و«اليمين المتطرف» في أفضل حالاته
تشرين- هبا علي أحمد:
تشهد الساحة الأوروبية عموماً العديد من التحديات الداخلية منها والخارجية التي من شأنها أن تنعكس داخلياً بطبيعة الحال، وما أفرزته نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية الشهر الماضي من تقدم اليمين وأقصاه على حساب الأحزاب السياسية التقليدية ليس حدثاً عابراً في ظل جملة المعطيات الدولية، وبات السؤال المطروح: اليوم من سيحكم أوروبا؟.. وكيف يمكن أن تغيّر نتائج تلك الانتخابات من الوجه السياسي لأوروبا؟
ومع توجه الناخبين الفرنسيين اليوم للاقتراع في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المبكرة، فإنه كما يُتداول سؤال من سيحكم فرنسا؟ وهل نهاية الماكرونية قريبة؟ إذ إن النتائج المترتبة عليها ستفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات حول أوروبا ومصيرها، وهل يطرق التطرف أبوابها، أم ليس بعد؟
على العموم حتى إن لم ينجح اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية نجاحاً مطلقاً، لكن لا يمكن إغفال أنه حجز دوراً له في المشهد السياسي الأوروبي وحظيّ بقاعدة شعبية واسعة ربما ليس لأنه الأفضل، بل إن المراقب للوضع الأوروبي يُدرك أن الناخب الأوروبي بات بين خيارات سيئة، أي بين السيئ والأسوأ.
المشهد السياسي الفرنسي
انطلقت صباح اليوم الانتخابات التشريعية في فرنسا بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي حلّ البرلمان الشهر الجاري بعد تراجع الائتلاف الرئاسي في الانتخابات الأوروبية وتصدّر حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف للنتائج على مستوى فرنسا، وتوصف هذه الانتخابات بأنّها الأهم منذ عام 1945، كما أنها استثنائية، إذ إنها للمرة الأولى لا تتزامن مع الانتخابات الرئاسية.
تقدم اليمين على حساب الأحزاب السياسية التقليدية الأوروبية ليس حدثاً عابراً وبات السؤال المطروح: من سيحكم أوروبا؟
وأظهرت استطلاعات سابقة تقدم حزب «التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبان المرشحة الرئاسية لثلاث مرات، ورئيسه الحالي جوردان بارديلا وحلفائه من اليمين المتطرف بفارق مريح (36%)، أمام الجبهة الشعبية الجديدة وهي ائتلاف غير متجانس من القوى اليسارية (28,5%) وفي المرتبة الثالثة تحالف الوسط حول الأغلبية المنتهية ولايتها (21%) للرئيس إيمانويل ماكرون.
وحسب الاستطلاعات من المتوقع فوز «التجمع الوطني» والمتحالف مع رئيس حزب الجمهوريين، إريك سيوتي، بما بين 250 و300 مقعد في الجمعية الوطنية المقبلة، ما سيمنحهما أغلبية قد تصل في حدها الأقصى إلى الأغلبية المطلقة المحددة بـ289 مقعداً، ورغم هذه المعطيات تشير التقارير إلى أنه من الصعب التنبؤ بكيفية ترجمة أرقام الاستطلاع إلى مقاعد في الجمعية الوطنية بسبب آلية عمل الانتخابات.
ويعدّ حزب «التجمع الوطني»، وهو ائتلاف أحزاب اليسار الفرنسي المسمى «الجبهة الشعبية»، وائتلاف ماكرون الوسطي، المتنافسين الرئيسيين على مقاعد البرلمان، وفي هذه الانتخابات يتطلع حزب «التجمع الوطني» المناهض للمهاجرين والمشكك في الاتحاد الأوروبي للصعود إلى السلطة، في سابقة تاريخية بفرنسا.
المشهد السياسي في فرنسا يشهد الكثير من التجاذبات بين اليسار واليمين وأقصى اليمين، ويخضع لعدة سيناريوهات، إذ تشير المعطيات إلى عدم حصول أي من المعسكرات السياسية الرئيسية، «التجمع الوطني» اليميني المتطرف وتكتل «الجبهة الشعبية الجديد» اليساري أو الوسطيين بزعامة ماكرون، على أغلبية مطلقة وأنها ستواجه صعوبة في تشكيل حكومة، في حين يأمل معسكر ماكرون أنه في حال أفضت الانتخابات إلى برلمان من دون أغلبية، أنّ يتمكن من تشكيل ائتلاف مع المعتدلين من اليسار واليمين، في الوقت ذاته تفيد الاستطلاعات بأن حزب «التجمع الوطني» سيحصل على أكبر عدد من الأصوات بعد الجولة الثانية في 7 تموز المقبل، وإذا ضمن «التجمع الوطني» وحلفاؤه الأغلبية في الجمعية الوطنية، فسيجد ماكرون نفسه في «تعايش» بين رئيس وحكومة من معسكرين على طرفي نقيض.. هذا الواقع سيبدل الكثير من التوازنات في فرنسا ولن تستطيع الأحزاب التقليدية بعد ذلك التحكم بالمشهد متفردة، وما يسري في فرنسا حينها من شأنه أن يسري على عموم أوروبا، وبالتالي ظاهرة الأحزاب اليمينية وتحكمها في المشهد ستكون أمراً واقعاً لا بدّ منه.
اليمين المتطرف حجز دوراً في المشهد السياسي الأوروبي لا يمكن إغفاله
وشهدت فرنسا ثلاث فترات من «التعايش» عندما كان الرئيس والحكومة من معسكرين سياسيين متعارضين في عصر ما بعد الحرب، لكن لم تشهد أي منها أطرافاً متنافسة على إدارة الدولة تتبنى وجهات النظر متباينة جذرياً حيال قضايا عالمية.
ومن بين السيناريوهات المطروحة أيضاً تعيين ماكرون لحكومة تكنوقراط يمكن أن تدعمها كل الأحزاب، وآخرها استقالة ماكرون إذا واجه احتمال إزاحته من اليمين المتطرف أو اليسار، ورغم أن الرئيس الفرنسي رفض خيار الاستقالة مُتعهداً البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته الثانية 2027، لكن المشهد قد يحمل الكثير من المفاجآت خاصة إذا كانت الخسارة كبيرة حتى إن لم يستقل من الممكن أن يمضي ما تبقى من رئاسته بحكم المستقيل أو كـ«البطة العرجاء العاجزة» كما وصفه البعض.
وفي وقت سابق، حذرت لوبان المتوقع أن تسعى إلى خلافة ماكرون في الانتخابات الرئاسية عام 2027، من أنه لن يكون أمامه خيار سوى الاستقالة في حال حدوث أزمة سياسية، ولكن ماكرون تعهد بالبقاء في منصبه إلى غاية نهاية ولايته الثانية في 2027 وذلك مهما كانت نتيجة الانتخابات.
الانتخابات والقضايا
رغم القاعدة الشعبية إن صح القول التي حصل عليها اليمين المتطرف والتي حققها نتيجة عدة عوامل مثل الأزمات الاقتصادية والمخاوف الأمنية وتزايد الشعور بالقلق من الهجرة وتأثيرها على الهوية الثقافية، إلا أن ذلك لا يخفي المخاوف من صعوده وحلوله في المشهد السياسي الفرنسي، والأوروبي عموماً، ولا سيما في ظل الأفكار المتطرفة التي تحملها هذه الأحزاب تجاه الآخر، ولا سيما من ينحدر من أصول غير فرنسية مثل الجاليات العربية المنحدرة من شمال إفريقيا، إذ إن قادة اليمين يُحمّلون الهجرة والمهاجرين مسؤولية العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها فرنسا، ويعتبرون الجاليات دخيلة على مجتمعهم، كما يشير محللون.
من الصعب التنبؤ بكيفية ترجمة أرقام الاستطلاع إلى مقاعد في الجمعية الوطنية الفرنسية بسبب آلية عمل الانتخابات
أما عن القضايا العربية وما يخص منطقتنا ولاسيما العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن لا فرق بين الاثنين سوى بطريقة دعم الكيان الصهيوني وإن بدا هناك بعض التمايز، لكن في نهاية المطاف النتيجة واحدة، صحيح أن ماكرون دعا إلى وقف إطلاق النار إلا أنه صرح بأنّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية «ليس منطقياً في الوقت الحالي» بينما أحزاب اليمين تدعم الكيان الصهيوني.
تجدر الإشارة إلى أن النظام الانتخابي قد يجعل من الصعب تقدير التوزيع الدقيق للمقاعد في الجمعية الوطنية المؤلفة من 577 مقعداً، بما في ذلك 13 مقاطعة خارجية و11 دائرة انتخابية تمثل المغتربين الفرنسيين في الخارج، وللحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان يحتاج الحزب إلى 289 صوتاً، ولن تُعرف النتيجة النهائية حتى نهاية التصويت في الجولة الثانية.
وتستبعد الجولة الأولى في الانتخابات جميع المرشحين الذين فشلوا في الحصول على 12.5 في المئة من الأصوات، كما أن أي شخص يحصل على 50 في المئة من الأصوات بنسبة مشاركة لا تقل عن ربع الناخبين المحليين يفوز تلقائياً، ويحدث ذلك في عدد قليل من الدوائر الانتخابية.
أما الجولة الثانية فهي عبارة عن سلسلة من جولات الإعادة يخوضها اثنان أو ثلاثة أو أربعة مرشحين في بعض الأحيان، وقد ينسحب بعض المرشحين قبل 7 تموز لإعطاء حليف فرصة أفضل تهدف إلى منع منافس من الفوز، على سبيل المثال اليمين المتطرف.