ماذا لو مات المترجم؟!.. وعن الترجمة بتصرف المشبوهة
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
موت المترجم انهيار جسد في لحظة العبور المدهش نحو الضفة الأخرى، إذا كان المترجم كاتباً ثانياً للنص فثمة كلمات جديدة تضع المترجم تحت طائلة الخيانة، فليس كل تلاعب لغوي شكلاً خارجياً للمعنى، فتأريخ الكتابة هو تلاعب لغوي لينأى الكاتب من اللغة الدارجة نمطاً مملاً للكلام السائد على ما يغتني به مشاعر مألوفة أو غير مألوفة.
المترجم هو الكائن الوحيد الذي يبني جسور العالم من أجل تفاهم العالم، رغم أن الكثير من مكونات ثقافتنا الأدبية والفنية (الفلسفية خصوصاً) هي ما ورطنا به المترجمون، فقد قرأنا فلسفات كبرى مترجمة، واستغرقنا وأثارت تفكيرنا وغيرتنا، لنغيّر العالم، لنكتشف بعد ضياع الوقت –والأمل أيضاً- أن الكثير من أفكارنا (ضاع في الترجمة) بشكل متعمّد، وقد يكون بأوامر عليا، على أن ما ضاع في الترجمة ليس ما سقط سهواً من جيوب المترجم، ولا هو التباس المترادفات والاختلاف الفقهي الذي يميز كل لغة، إنما (ضاع في الترجمة) والمترجمون أنواع، لكن أهمهم ذلك الذي يستولي على خيالك وكل عناصر استقبالك للغة لتصدر حكم قيمة: إنها ترجمة رائعة حتى لو لم تراجع الأصل أو أن تعرف لغة الأصل أصولاً.
سألت صديقي المترجم قبل رحيله: هل ترجمت مرة –كما يُقال- (بتصرف)؟
أجابني وهو يفتل خصلة مما تبقى خلف رأسه من شعر، وكأنه ينفي تهمة: أبداً، عندما يضع المترجم أسفل ترجمته (تُرجمت بتصرف) فاعلم أن الترجمة مشبوهة، مترجم لا يعرف اللغة التي يترجم منها، حيث يستعين بمن يجيدها ثم يعيد صياغة الترجمة ويضع توقيعه هو على مقال أو كتاب بأكمله مشفوعاً (بتصرف) اسم هذا المترجم.. هذا الكلام لا يعني مطلق المترجمين الأشاوس، لأن المترجم هو ساعي بريد بين إقليم الكلام الغامض إلى أقاليمنا الواضحة، يختار الأهم والأجمل وأكثر ما يحتاجه العالم، وبالتالي فإن موت مترجم مخلص هو انهيار جسد بين ضفتين.. بين لغتين.. شكراً أيها المترجم المخلص.