أبو ليلى.. وقمة الاتحاد الأوروبي الحالية
كان (أبو ليلى) المؤمن الصادق رحمه الله، راعي الثروة الحيوانية وأحياناً حارس المحاصيل الزراعية، في قريتنا الوادعة المعروفة بطيبة أهلها الذين يحققون أمنهم الغذائي بجهودهم الذاتية وتعاونهم، وعبارة أبو ليلي المفضلة: ( كلّ راع مسؤول عن رعيته)، وكنا في ذاك الوقت أي منذ أكثر من /50/ عاماً ننتظره لنسمع حكاياته الجميلة التي تجمع بين الواقعية والخيال، وذات يوم وجدته متكئاً على عصاه (يبسمل ويحوقل)، فسألته ماذا حصل؟ فقال اتخذ المختار وهيئته قراراً بتعيين راعٍ جديد والرعاة أصبحوا كثر، وأضاف: إن الأغنام تتناقص بسبب هجوم الذئاب الصغيرة عليها، فقلت له كيف لماذا لا تواجهها؟ فابتسم وقال ألاحقها وأطاردها لكن الذئب الكبير، يهجم عليها مستغلاً صراعي مع الذئاب الصغيرة فيقتل منها ويأخذ ما يشتهي، وسابقاً غيروا الراعي أكثر من مرة ولكن من دون فائدة، وانضم لحوارنا شيخ القرية الفاضل المعروف بحكمته وقال: المشكلة ليست في الراعي، وإنما في الذئب الكبير وعلينا محاصرته أو تضييق حركته، من خلال التعاون مع الأقوياء المتعاونين في القرى الأخرى، ومن ثم شرح الشيخ وجهة نظره للمختار وأعضاء الهيئة الاختيارية، رحمهم الله، فاجتمعوا، وحسب لعبة الديمقراطية اعتمدوا بالأكثرية رأي شيخ القرية، تذكرت هذه القصة وأنا أتابع قمة الاتحاد الأوروبي بدوله /27/ في العاصمة البلجيكية (بروكسل) بتاريخ 27/6/2024 بعد فوز أحزاب اليمين، سواء الراديكالي أم الوسط أم الشعبوي، في الانتخابات الأوربية ووزيادة التوجهات الليبرالية المتوحشة وتراجع دور أوروبا على الساحة العالمية، وأجروا تغييرات إدارية في الهيئة الاختيارية للاتحاد، ومنها التجديد للسيدة الألمانية اليمينية أورزولا فون دير لاين لرئاسة المفوضية الأوروبية لولاية ثانية، مدتها خمس سنوات، واختاروا الاشتراكي البرتغالي أنطونيو كوستا ليصبح الرئيس المقبل لقمم الاتحاد الأوروبي. والسيدة الإستونية (كايا كالاس) مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد، لتخلف الإسباني المنتهية ولايته (جوزيب بوريل)، ووضع القادة الأوربيون مجموعة من الأهداف علّها تساعد في الخروج من المشاكل والمخاطر الاقتصادية ومنها: تراجع معدل النمو المتوقع لسنة /2024/ من /1،2%/ إلى /0،8%/ وبالتالي تراجع الاقتصاد الأوروبي أمام أمريكا والصين وروسيا وغيرها- ارتفاع مستوى الشيخوخة وتزايد مستويات البيروقراطية والحصة التصديرية في السوق العالمي- تراجع سعر صرف اليورو بحدود /30%/ من قيمته امام العملات الدولية – زيادة الخلل في انسياب السلع وسلاسل التوريد – تراجع الاستثمارات والإنفاق الاستهلاكي ومستوى التنافسية وقدرتها الدفاعية- زيادة معدلات التضخم والبطالة والديون والعجز الموازني وأسعار الفائدة والاحتجاجات الشعبية وخاصة الثورات الطلابية المتضامنة مع فلسطين وضد الحرب الناتوية مع روسيا- ارتفاع أسعار حوامل الطاقة بسبب العقوبات الغربية على روسيا- معارضة بعض الدول بقيادة (المجر) للتبعية الأوروبية لأمريكا، والنزعة الأنجلو سكسونية (Anglo-Saxons) – تزايد الصراعات الجيوسياسية، أوكرانيا وغزة وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وتايوان.. وغيرها- علاقة الدول الأوروبية مع بعضها البعض وسيطرة، التوجهات الوطنية الذاتية بدل الأوربية المركزية- حضور اليميني المتطرف رئيس أوكرانيا (فلاديمير زيل نسكي) للقمة الأوروبية – خلافات حول توقع مصير الانتخابات الأمريكية واحتمال عودة ترامب للبيت الأبيض- انضمام دول جديدة للاتحاد وتوسعه شرقاً مثل: أوكرانيا ومولدافيا ولوكسمبورغ – زيادة بؤر التوتر العالمية والأزمات الاقتصادية الدولية واستفادة الشركات الأمريكية المتعددة الجنسية من تأجيج الصراعات الدولية- تداعيات حجز الأموال الروسية والحرب الصينية الأمريكية التجارية المخالفة لمنظمة التجارة العالمية WTO- الخلاف حول نتائج الحصار والعقوبات الاقتصادية بتوجيهات أمريكية المخالفة لميثاق الأمم المتحدة، وخاصة الفصل السابع وتحديداً المادتان /39و41/ – خلاف حول استقبال اللاجئين والإسلام فوبيا- الموقف من حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين رغم موافقة أغلب الدول الاوربية وأجهضت الرغبة الدولية باستخدام أمريكا حق الفيتو Veto ضد /147/ دولة تشكل أكثر من ثلثي دول العالم..الخ، فهل تستمر الخلافات وخاصة مع وصول أحزاب اليمين في العديد من الدول الأوربية: فرنسا وألمانيا وبولونيا وإيطاليا برئاسة اليمينية المتطرفة (جورجيا ميلوني)، وطالبت بدور أكبر لبلدها في صناعة قرارات الاتحاد وتضامن معها زعيم يمين الوسط في النمسا (كارل نيهامر) والرئيس البولوني وغيرهما، وهل سنشهد انسحاب دول من الاتحاد كما انسحبت بريطانيا بتاريخ 31/1/2020؟.
رحمك الله يا “أبو ليلى” كنت سابقاً لعصرك وكنت بحكاياتك المعبرة حاضراً في بروكسل، والمشكلة فعلاً في الذئاب الصغيرة لكن المشكلة الأكبر في الذئب الأكبر (أمريكا وتوابعها) بفرض العقوبات والحصار على الكثير من دول العالم ومنها سورية.