الحَسَّاب

بعد أن خربت المونة منذ بداية الصيف، ولأنه من عُشَّاق البازلاء والفول مع الأرز، لجأ إلى أحد المتاجر الفخمة، واشترى منها كيساً للفول المُفرَّز بسعر أربعة آلاف ليرة، رغم أنه لا يحوي سوى أربعمئة غرام، واشتغلت حاسبته الذهنية ليكتشف أن الغرام الواحد بعشر ليرات، وفضَّل الفول هذه المرة على البازلاء، لأن سعر الأربعمئة غرام حوالي ستة آلاف ليرة، أي إن الغرام يساوي خمس عشرة ليرة، ولم يتجرأ على شراء «الشنكليش» المُحبَّب إلى قلبه، بعدما حسب حساباته، فعرف أن الغرام منه يفوق العشرين ليرة، أي أنه فاق سعر الزبدة، والعارف بكيفية صناعته ستصيبه صاعقة في منتصف رأسه، لأنه مصنوع من الحليب بعد أن يُسحَب منه خيرُه.
وسبَّبت تلك الحاسبة الذهنية المتوقدة لصاحبنا أرقاً وصداعاً مُستمرين، إذ يحسب مثلاً، إذا اضطر لأن يستقلّ «تكسي» مشتركة، بأن المشوار الذي لا يتجاوز الخمسة عشر كيلو متراً، ستصرف سيارة الأجرة فيه – إن كانت «صرِّيفة» – ليتري بنزين، وسعرهما لا يتعدّى ألفاً وخمسمئة ليرة، لكن السائق «يشفط» من جيوب الرُّكاب أربعة عشر ألفاً، تحت ذريعة أنه يضطر في بعض الأحيان لأن يشتري البنزين بالسِّعر الحرّ، وتالياً فإن مربحه من هذا المشوار لا يتجاوز الألفي ليرة، وهنا لا نستطيع أن نلحق الكذَّاب إلى وراء الباب، لأن الأبواب مواربة دائماً ولا تُفضي إلى شيء.
كما أن صاحبنا يحسب مرابح تُجَّار الخبز المتعاونين مع عُمَّال الفرن، وخسارته الشخصية عند الاضطرار للشراء من عندهم، فهم يبيعون الربطتين بألفي ليرة، مع إن سعرها النظامي أربعمئة ليرة فقط لا غير. وكذلك تعبئة خزان المياه من الصهاريج التي يكون سعر الليتر الواحد فيها من ثمانٍ إلى عشر ليرات، إذ إن كل خمسة براميل يتم شراؤها من ثمانية آلاف وحتى العشرة آلاف ليرة، وغير ذلك الكثير من الحسابات المضنية.
ولخشيتي من أن تتحرَّك عليَّ الشقيقة، أو أُصاب بصُداع توتُّري مُزمن، اعتذرت من صاحبنا ومضيت إلى منزلي وأنا أقول في قرارة نفسي «الحمد لله أنه لم يقترب في حساباته إلى سعر البيض، وإلا أصابه بالعين، إذ باتت الواحدة منها حوالي أربعمئة ليرة».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار