شغف الذاكرة

في رصيده حتى اليوم، ما يُقارب خمسةَ كتب؛ كتبٌ هي أقرب إلى نهج الموسوعات، وجميعها خصصها الباحث نزيه عبد الحميد لجمع التراث اللامادي السوري من ألعاب وحكايا وأغانٍ وأمثال وغيرها الكثير، ذلك النتاج الإبداعي الذي كان جهد عبقرية شعبية عفوية على مدى عقود من السنين.. من هنا تكمن الصعوبة في جمع هذا التراث – كما يذكر عبد الحميد لي ذات حوار- وذلك لأن مصادره في هذا المجال كانت ذواكر كبار السن بالدرجة الأولى الذين أصبح الكثير منهم في دنيا الآخرة، وكان الباحث قد سجل أحاديثهم في أزمنة مختلفة.
جمع التراث اللامادي، وهو جهد يحتاج عمل مؤسسات، يقوم به المحامي عبد الحميد منذ سنين بعيدة في محافظة طرطوس من خلال تسجيلات وأفلام وغيرها، وإن كانت مسألة تدوينها في كتب -على صعوبتها- بدأت متأخرة نسبياً، فقد أصدر حتى تاريخه: كتاب (موسوعة الأمثال والتعابير الشعبية في الساحل السوري)، وكتاب (الألعاب التراثية في الساحل السوري)، وأيضاً كتاب (الحكاية الشعبية التراثية في الساحل السوري)، ومؤخراً كتاب (تسالي وطرائف وأحاجي تراثية)، وله قيد الصدور كتابان آخران: (الأغنية الدينية)، وكتاب (تسليات الكبار والصغار في منطقة الساحل السوري).
وعندما سألته: لماذا التركيز على التراث اللامادي في الساحل السوري، وليس كل التراث في مختلف المناطق السورية؟ أجاب: إن أمر جمع كل هذا التراث الضخم يستحيل أن ينجزهُ باحثٌ واحد، وإنما يحتاج أشخاصاً عايشوا هذا التراث كله من خلال أفراد وباحثين مولودين في البيئة نفسها، ويُمكن بالتعاون معهم أن يجمع ذلك النتاج الثرّ بمجلدات تصدر في أجزاء، أو قد تكلف جهات ثقافية معنية بالأمر باحثين لجمع هذا التراث الذي يكاد يغيب عن الذاكرة السورية، ومن أسباب تركيزه على تراث الساحل السوري؛ يُضيف: يأتي ذلك بحكم معايشتي المُباشرة لذلك الغنى الثقافي الذي يبدو اليوم بعيداً، والذي كان من خلال معايشة حكواتية وألعاب قديمة وأغانٍ وغير ذلك من هذا التراث الشفاهي الذي هو اليوم قاب قوسين من الغياب، ومن هنا كان هذا التوق للتدوين وتثبيته في كتب موسوعية متخصصة لعلّها تقيه خطر الاندثار.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار