نقد غير متأخر
رأى فنان تشكيلي أن «كل كتابة نقدية عن الفنان الذي يغادر الحياة، لا قيمة لها», يبدو مثل هذا التصريح ممزوجاً بالعاطفة تحت تأثير خسارة هذا الفنان أو ذاك، وبخاصة إن كان من الأصدقاء، ولذلك لا يبدو صائباً. صحيح أن النقد ضروري خلال حياة الفنان ليعطيه بعض الحوافز من خلال تسليط الضوء بمقاربات نقدية على مقومات تجربته وما يميزها، لكن النقد في أحد وجوهه، غير مرتبط بوجود المبدع حياً، برغم أهمية ما يكتب عن إبداعه خلال حياته, فقد يأتي ناقد يتناول تجربة بعض الأسماء الراحلة في مرحلة زمنية محددة معللاً ذلك بأسباب إبداعية خلال تحليله، تجمع بين تلك الأسماء التي لم يستطع النقد أن يراها قبل اكتمال أو اختتام التجارب الإبداعية، فيكتب عن المشترك بينها في مرحلة ما، فيأتي بجديد لم ينتبه له أحد من الذين كانوا يمارسون النقد بالمواكبة خلال حياة هؤلاء الفنانين الراحلين، سواء بشكل جماعي، أو فرادى.
ولو أردنا أن نسحب كلام الفنان التشكيلي حول الأدب، كمثال واحد فقط، لاستطعنا، ودللنا أيضاً على عدم صواب الكلام، فلا تزال الدراسات والأطروحات الأكاديمية تكتب وتناقش حول الكثير من الأسماء الإبداعية في مجالات الأدب المتعددة، سواء من الأدب التراثي، أو الحديث، أو المعاصر, وكل دراسة أو أطروحة تقدّم كشوفات جمالية لتجارب هؤلاء المبدعين الذين يتم تناولهم بالدرس النقدي، وفق المناهج التي تعتمد عليها، فإذاً هي ليست بالمقولة السابقة.
ناهيك بأن الكتابة عن أي مبدع في أي جنس أدبي أو فني، بعد رحيله، لها أكثر من دلالة, فهي تعني أهمية تجربته وعمقها وغناها، وربما بعض ما يكتب عنها كانت دراسات نقدية مؤجلة ساهم رحيل الفنان الذي تتناوله الدراسة في إتمامها وربما في نضجها أيضاً, وهي دراسات ستنشر في مواقع إعلامية أو مجلات مختصة وسيتم تداولها في أكثر من بلد، كما أن بعضها سيصدر في كتب، ويصبح متكأً لدراسات قادمة, بمعنى آخر؛ يجب ألّا ننظر إليها على أنها استفاقة متأخرة، وعلى الأغلب هذا ما دفع فناننا إلى مثل هذا التصريح, فالكتابة النقدية التي تضيء الشواغل الفنية والفكرية لأي إبداع هي ضرورة أيضاً لإحياء اسم وتجربة المبدعين الراحلين.