سوق العمل وجائزة نوبل سنة 2021

تأثرت سوق العمل السوريّة بتداعيات الحرب العدوانية عليها والإرهاب الاقتصادي أحادي الجانب المتضمن «عقوبات وحصاراً» جائرين مخالفين للشرعيّة الدوليّة ومفروضين من طرف واحد منذ تاريخ 15/3/2011، وأدى هذا إلى خروج الكثير من الكفاءات والخبرات والمهارات والتخصصات المطلوبة من سوق العمل السورية، وفي الوقت نفسه زاد معدل البطالة بسبب تدمير الكثير من المواقع والمؤسسات الاقتصادية والإدارية وغيرهما, والتي كانت هدفاً للإرهاب والإرهابيين والداعمين لهما في الداخل والخارج، فأصبح الاستثمار في الإرهاب شريعة أغلبية الدول الغربية وتحوّل إلى سلعة تسوّق كأي سلعة لفتح جبهات عمل لشركاتهم التي تعيش أزمة اقتصادية منذ سنة /2008/، وركزت دول الاستعمار القديم على إحداث خلخلة وفوضى في أسواق العمل في الكثير من دول العالم، ونقصد هنا بسوق العمل بأنه يمثل التقاء منحنيِّ العرض والطلب على القوّة العاملة، أي التقابل بين فرص العمل المتاحة والمنضمين سنوياً إلى سوق العمل أي طالبي فرص العمل، والفارق بينهما يظهر بشكل واضح في مؤشر اقتصادي هام وهو معدل البطالة، والبطالة هي آفة اجتماعية قبل أن تكون آفة اقتصادية ونفسية وحتى أمنية، وكانت سوق العمل السورية قبل الحرب علينا متوازنة، بدليل أن معدل البطالة خلال الخطتين الخمسيتين التاسعة والعاشرة أي من سنة /2001 وحتى 2011/ كان أقل من /9%/، ولكن مع الحرب على سورية تأثر سوق العمل السوري سلباً كما تأثر غيره من الأسواق العالمية بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية سنة /2008/ وتداعيات وباء “كورونا”، وكمثال عملي فإن الاحتلالات الخارجية والميليشيات الانفصالية في جزيرتنا السورية سرقت وحرقت الموارد المتاحة وأدى ذلك إلى انتقالنا اقتصادياً من (إدارة الوفرة) إلى (إدارة النقصان)، وهنا نشير إلى أنه مع تضخم مشاكل سوق العمل العالمية حثّ منظمو جائزة نوبل لسنة /2021/ لتخصيص جائزتها هذه السنة لمن يقدم بحثاً عملياً واقعياً يتضمن كيفية تفعيل أسواق العمل الدوليّة، وبالمناسبة فإن جائزة نوبل تعد من أهم الجوائز العالمية المخصصة للإبداع العلمي، وسميت بهذا الاسم نسبة للعالم الكيميائي السويدي المتخصص في تصنيع المتفجرات المخترع للديناميت السيد ( الفريد نوبل ) الذي عاش بين سنتي /1833/ و /1896/ وقضى أغلب حياته في معمل والده الكيميائي، ويقال إنه خلال إجراء إحدى تجاربه على إحدى المتفجرات حصل انفجار هائل في معمل والده وقتل من جراء ذلك شقيقه الأصغر، وتأثر الفريد نوبل كثيراً من جراء هذه الحادثة, وبدأ بالبحث عن متفجرات أكثر أمناً وتوصل إلى تصنيع الديناميت، ولكنه بعد أن شاهد الأعمال الإرهابية للقوى الاستعمارية في تلك الفترة واستخدامها للديناميت كأداة قتل ندم كثيراً، وكتكفير عن ذنبه قرر في وصيته تخصيص جزء كبير من ثروته الكبيرة لتمويل جائزة سنوية تحمل اسمه، وسجل الوصيّة في النادي السويدي النرويجي سنة /1895/، ومنحت أول جائزة سنة /1901/ وكانت في مجالات محددة وهي: (الآداب والفيزياء والكيمياء والطب) ويجري احتفال رسمي لتسليمها في الأكاديمية الملكية الموسيقية في العاصمة السويدية استوكهولم، وتمنح الجائزة سنوياً بتاريخ 10/12 من كل سنة وقيمتها /1،14/ مليون دولار أمريكي، لكن جائزة نوبل للاقتصاد بدئ العمل بها من سنة /1969/، وخصصت الجائزة لسنة /2021/ للأبحاث المتعلقة بتنظيم سوق العمل الدولية، وأعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم بتاريخ 11/10/2021 عن فوز ثلاثة اختصاصيين في الاقتصاد الاختباري والمبني على التجربة، وهم الكندي الأميركي (ديفيد كارد ) والأميركي (جوشوا انغرست) والأميركي الهولندي (غيدوا إم بنس) لإسهاماتهم في العديد من المجالات مثل سوق العمل والهجرة والتربية، معتمدين العلاقات السببية أي ربط النتائج بالأسباب، وتوصلوا إلى نتائج هامة, ومنها مثلاً أن زيادة الحد الأدنى للأجور لا تقود حكماً إلى إلغاء الوظائف كما هو معروف لدى أغلبية الاقتصاديين، وأن الموارد متعددة لكنها لا تستثمر بشكل صحيح لعدم توافر الكوادر المناسبة، وكمثال على ذلك أكدوا أنّ موارد المدارس هي أهم بكثير مما كنا نظن سابقاً، وأن كفاءة التلاميذ الحالية ستزيد من الإيرادات المستقبلية، وقد اعترض على استنتاجاتهم هذه الكثير من علماء الاقتصاد، لكن رئيس اللجنة السيد (بيتر فريد ريكسون) قال: إن بحوث العلماء الثلاثة أظهرت (أن التجارب الطبيعية والتراكمية هي مصدر غني للمعرفة)، وهكذا يتبين لنا أن علم الاقتصاد هو علم مهني وليس إيديولوجياً برغم أهمية الإيديولوجيا الاقتصادية، وإن الثروة في الكوادر وليست في الموارد برغم أهميتها أيضاً، ونحن في سورية بأمس الحاجة لتحويل الموارد المتاحة إلى إيرادات حقيقية من خلال تعظيم القيمة المضافة اقتصادياً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار