«حاسس حالي عم أصرف على وزارة الاتصالات، الله وكيلك، وأنو رواتب موظفي البريد بصحنايا تحديداً، عم ياخدوها من جيبتي»، بهذه العبارات بدأ «أبو فادي» التعبير عن الحنق الذي يكاد يخنقه، وعندما سألته عن الأسباب القريبة والبعيدة لغضبه أجابني بالتفصيل: «تلك الوزارة التي تدّعي أنها مختصة بالاتصالات، لم تقم بوصل خط هاتفي الثابت، بعدما انتقلت إلى بيتي الجديد، وذلك منذ أكثر من سنة، وكلما قمت بمراجعة بريد صحنايا ومديره والذين يلتفون حوله، يخبرني بأن زمن الوصل لن يمتد إلى أكثر من أسبوع أو عشرة أيام على أبعد مدى، لكنني بدأت أشعر بأنني سأصل إلى شبه الجزيرة الإيبيرية وأغنّي فيها “يا زمان الوصل في الأندلس” من دون أن يتم الوصل، علماً أن الشبكة تمّ تمديدها إلى منطقة التنظيم الجديد في صحنايا، بما فيها الواصلة إلى مدخل البناية التي أقطن فيها، ولم يبقَ سوى تفعيل تلك الخطوط، والحجة في كل مرة أن الورشات المسؤولة عن ذلك تأتي من الشام، بسبب نقص الأيدي العاملة الفنية في فرع صحنايا للبريد، وهذا ما يؤدي إلى تسويف بعده تسويف، والأنكى أنني مع بعض الجيران نسدد التزاماتنا المالية على الليرة، من دون أن نحصل على الخدمات التي ندفع تلقاءها تلك المبالغ، وكل ذلك خشية أن نفقد حقّنا بخطوطنا وببوابات الإنترنت الخاصة بنا، وربما السبب يعود، والله أعلم، إلى سوق البوابات السوداء المستحدثة بحكم ندرتها، حتى إن تكلفة توفير بوابة واحدة وصل إلى مائتي ألف ليرة في بعض الأحيان».
حاولت أن أهدِّئ روع «أبو فادي» قليلاً، لكنه بدأ يحدِّثني عن المبالغ الإضافية التي يدفعها بسبب «خطوط السيرف» له ولزوجته، فلم أجد بُدّاً إلا بدفعه إلى الشَّتم حتى يستريح، فكان في ذلك منجاة له من جلطة وشيكة، إذ بدأ يزبد ويرعد قائلاً: «لا وَصَلَ الله لهم خَطّاً مع الصحة والرزق يا قادر يا كريم».