عن موجتين

يُمكن الحديث اليوم عن (موجتين) في مسيرة حركة الكتابة في مجال القصة القصيرة جداً في سورية؛ الموجة الأولى كانت خلال تسعينيات القرن العشرين، على يد مجموعة من المتحمسين لهذا النوع الإبداعي، تلك الحماسة التي أوقعتهم في التباسين، أو ربما في (وهمين): الأول: هو الادعاء بأنهم يكتشفون الغابات العذراء والأراضي البكر، مع أنّ إرهاصات هذا النوع الإبداعي يعود ليس لقصة الكاتب الأمريكي (همنغواي) ذات الخمس والعشرين كلمة، سنة (1925)، وحتى ليس للروسي (تشيخوف) الذي دعا لكتابة قصة قصيرة من خمسين كلمة، وإنما تعود للحكيم (إيسوب) في الزمن اليوناني القديم، وحكمه التي كان يُقدمها على هيئة قصص قصيرة جداً، والالتباس الثاني: الحالة التعبوية التي رافقت ذلك الادعاء بالاكتشاف والتحشيد للكتابة والتنظير لها والتقعيد، دون أن يوجِد النتاج الكافي للتقعيد والتنظير، وكان الأمر أشبه بتشكيل حزب سياسي، وليس إبداعياً .. ثم لتمر فترة هدوء استمرت لأكثر من نصف العقد بقليل، وحتى بداية الحرب على سورية؛ حيث انطلقت الموجة الثانية مع وسائل التواصل الاجتماعي؛ والتي فرضها خواءٌ ما، أو قل ارتباكٌ ما على وقع طبول الحرب على سورية، ومحاولة تسجيل حضور ما، في الساحة الثقافية، ومن هنا يبدو استمرارها بإيقاعٍ عقلاني لا استعراض فيه ولا أوهام على مدى أكثر من عشر سنوات..
ولنعترف اليوم؛ أنه بفضل تلك الموجتين؛ تمّ انتشار جنس إبداعي يبدو اليوم بكامل الملامح والهوية، رغم صعوبة تميّزه وتمييزه ضمن أنواع إبداعية أخرى كثيرة، يكاد بعضها يتماهى معه في التشابه، وذلك في إطار ما اصطلح على تسميته بأنواع (الأدب الوجيز)..
إبداع انتشر اليوم أفقياً، وهذا ما يُفسره العدد الذي لا يُستهان به من الذين يكتبونه، وكذلك بالراغبين في كتابته، وعمودياً؛ يتمثل بالإصدارات التي تصدر على شكل مجموعاتٍ قصصية لهذا النتاج الإبداعي، وكذلك بالروابط المتخصصة فيه على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى بالكثير من النوعية العالية لبعض المشتغلين فيه..
ولعلّ مثالها الجميل اليوم ما نحن بصدده؛ وهو نتائج مسابقة دمشق لأفضل مجموعات القصة القصيرة جداً في العالم العربي، والتي فاز فيها كل من: مرح صالح من سورية في المرتبة الأولى عن مجموعتها (زوايا)، وحسام الساحلي من سورية أيضاً في المرتبة الثانية عن مجموعته (ساحر)، فيما ذهبت المرتبة الثالثة مناصفة للقاصين: هاني أبو غليون من الأردن عن مجموعته (ركام الصمت)، وفتحي بوصيدة من تونس عن مجموعته (زمن يبحث عن أيام).. وهي المسابقة التي أعلنت عنها (رابطة القصة القصيرة جداً في سورية)، وتمت بدعم من دار دلمون للطباعة والنشر في سورية. وفازت فيها المجموعات الأربع من بين مئات المجموعات التي تغربلت حتى وصلت إلى ثمانٍ وثلاثين مجموعة خاضت غمار المسابقة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار