فائض رأس المال وتعزية بالصفقة الفرنسية

تمّ إلغاء عقد الصفقة النووية بين (أستراليا وفرنسا) الموقّع سنة /2016/ وبقيمة /36،5/ مليار دولار أمريكي وبما يعادل قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدولة أو عدة دول عانت من التآمر الغربي عليها ومنها سورية بلد الأبجدية الأولى في العالم وسنديانة التاريخ ومتحفه، وكمواطن تألم وتضرر من التحالفات الغربية بدعمها للعصابات الإرهابية وتطبيقها للإرهاب الاقتصادي المتمثل في «العقوبات والحصار», والتدخل في الشؤون الداخلية السورية وتلفيق الأكاذيب والمؤامرات على بلدنا الغالي أسأل بل أتساءل وبقناعاتي الشرقية الحضارية هل ستحل «اللعنة السوريّة» على أعدائها كما تحلّ «اللعنة المصريّة الفرعونيّة»؟!، لن ننسى كيف تسلّل أحد الوزراء الفرنسيين كخفافيش الليل في بداية الحرب على سورية والتقى ببعض التنظيمات في جزيرتنا السورية الغنّاء، إن إلغاء عقد صفقة الغواصات سبب صدمة اقتصادية للقادة الفرنسيين وخاصة الرئيس ووزير خارجيته (جون إيف لدوريان)، وخرج لودريان عن صمته وتجاوز في تصريحاته ضد «أستراليا وأمريكا وبريطانيا» الأعراف الدبلوماسية المعروفة، وهذه الدول الثلاث شكلّت تحالفاً بينها «الأوكوس AUKUS» بعد إلغاء الصفقة وبتوجيه أمريكي بريطاني!، وهذا التحالف لا يقيم أي اعتبار لفرنسا بل هو موجه ضد القوى الصاعدة في المحيطين (الهندي والهادي) وخاصة روسيا والصين، ما دفع لودريان للقول: إن هذه الدول أي دول تحالف «الأوكوس» تحتقر وتزدري فرنسا، ولم تعد فرنسا تثق بها وبأن استراليا طعنت فرنسا في الظهر وخانتها، ولم تبحث الأزمة مع بريطانيا الانتهازيّة والتي تعد طرفاً زائداً أي بلا قيمة، وأن فرنسا تشعر باستياء كبير من هذه الأزمة الخطرة وسيطلب الرئيس الفرنسي توضيحاً عن مبررات إلغاء هذه الصفقة؟!، ومباشرة ردّ على هذه التصريحات رئيس وزراء استراليا (سكوت مور يسون) وقال: إن الحكومة الفرنسية تكذب وتنافق!، وشارك في مثل هذه التصريحات الحادة والوقحة وزراء أمريكيون وبريطانيون!، هل تذكّر هؤلاء غدرهم ونفاقهم السياسي وكذبهم بين الشعارات التي يطلقونها والأعمال التي يقومون بها ضد سورية وغيرها؟!، اللهمّ لا شماتة لكن أقول: إنّ تبادل التهم والشتائم وخاصة أنّ العالم على صفيح ساخن من جراء تصرفات هذه الدول لا يفسر المشكلة وهي ستتضخم مستقبلاً وستتكرر بفعل عوامل موضوعيّة وليست ذاتيّة ومرتبطة بالأزمة البنيويّة الاقتصاديّة الغربيّة وتغيّر موازين القوى العالميّة، وخاصة مع صعود قوة الدول الشرقية وتراجع قوة الدول الأطلسيّة، بل ما حصل خدعة وغدر أمريكي يا سيد لودريان، فأمريكا تسخّر كلّ شيء لمصلحتها ومحترفة بإذلال أصدقائها وخاصة بعد أن تعجز عن أمركة خصومها، وهي تعرف أن الواقع الاقتصادي الحالي لها لا يضمن قيادتها للعالم، وأن مراكز القوة الاقتصادية تغيرت وستتغيّر مستقبلاً بفعل تداعيات القانون الاقتصادي المعروف وهو (التراكم الأولي لرأس المال وإعادة الإنتاج)، وكما قال أستاذنا الاقتصادي (سمير أمين) وهو باحث عربي مصري كبير, وفي الوقت نفسه حصل على الجنسية الفرنسيّة وتوفي في فرنسا سنة /2018/ ويعد رائداً في كتاباته عن تبعية أوروبا الاقتصادية للمركز الأمريكي، فقد قال سنة /2006/ محذراً من الطغمة الاقتصادية الأمريكية وأحيلك يا سيد لودريان إلى كتابه وهو (علاقة التاريخ الرأسمالي بالفكر الأيديولوجي العربي: رؤية نقدية، دار الحداثة، بيروت سنة 1983) وقال حرفياً: «المشروع الأوروبي لا يسير في الاتجاه المطلوب لإعادة واشنطن إلى رشدها، في الواقع يظل مشروعاً غير أوروبي في الأساس، إن روسيا والصين والهند هم المعارضون الاستراتيجيون الثلاثة لمشروع واشنطن، لكن يبدو أنهم يعتقدون أنهم قادرون على المناورة و تجنب الصدام المباشر مع الولايات المتحدة» ويدعو إلى إقامة تحالف سياسي واستراتيجي بين باريس وبرلين وموسكو يمتد إن أمكن إلى بكين ودلهي لبناء قوة عسكرية بالمستوى الذي يتطلب تحدي الولايات المتحدة وفرنسا تابع ذليل للإدارة الأمريكية يا سيد لودريان حتى في تدخلها في بلدنا سورية، وخلعت فرنسا قميصها التنويري لترتدي قميص الذل الأمريكي، فهل نشهد عصراً جديداً وتتحقق رؤية المفكر البريطاني (ديفيد هارفي David Harvey) المولود سنة /1935/ والمتخصص في الجغرافيا الاقتصادية وقد تنبأ بمستقبل “التحولات النيوليبرالية” وقال:

[ عندما يكونُ لَديْنا فائضٌ في رأسِ المالِ لا نَستطيعُ اسْتيعابَهُ، ماذا نَفعلُ بِه؟ يتَّجهُ إلى الخارج، وكثيراً ما ارْتبطَ ذلك بالغزواتِ الاستعماريّة، والْهَيمنةِ الامبرياليّة، وعندما يَتدفّقُ فائضُ رأسِ المالِ إلى الخارج، هذا يَعني وجودَ امبرياليّة ضِمْنيّة، والصّينُ اليومَ، لَديها فائضٌ من الرساميلِ التي يَتِمُّ تَصديرُها إلى الإكوادور، وإلى أمريكا اللاتينيّة وأفريقيا وتايوان لأنَّ العمالةَ هناك أرْخصُ منَ الصّين]، فالقضية أبعد من إلغاء صفقة تجاريّة، وهنا يمكن طرح بعض الأسئلة أو التساؤلات ومنها: [هل بدأنا نشهد مقدمات انهيار حلف (الناتو NATO) وتراجع استراتيجية الدفاع والأمن الأوروبي التابعين الذليلين لأمريكا؟!، وهل سيقابل هذا التحالف بتشكيل تحالف دولي قد يضم ( الصين وروسيا وإيران ) وغيرها من القوى الصاعدة ومن الاقتصاديات الناشئة تزيحكم تدريجياً عن موقعكم على الساحة العالمية؟، وهل ستستمرون في نفاقكم السياسي وإرهابكم الاقتصادي ضد بلدنا سورية؟ّ، وهل ستقتنعون بقول الرئيس الأمريكي بأن اتفاقية “الأوكوس” هي لمواجهة الصين التي اقتربت من إزاحة أمريكا عن المركز الأول في الترتيب الاقتصادي العالمي؟، وهل سنشهد تغيرات في سياستكم أمام سورية التي لم تساهم أبداً في التآمر عليكم كما فعلتم معها؟!، وأخيراً أقول: لا شماتة في الموت رحم الله ميتكم وصفقتكم واسكنها فسيح البحار ولكن دوام الحال من المحال، ونعرف أن موقعكم على الساحة العالمية يتراجع بفعل سياستكم، وها قد بدأتم تخسرون الزبائن والصفقات، إنها اللعنة السورية عليكم، وهذه هي تعزيتي لكم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار