رغم الإنجازات العسكرية المهمة التي حققها المقاتل العربي السوري في حرب تشرين التحريرية والتي تمثلت بإنهاء التفوق العسكري الإسرائيلي، فإن لانتصارات تشرين أبعاداً حضارية وسياسية وإنسانية أسست لانطلاقة فكرية وثقافية وتنموية وضعت العرب عموماً وقوى المقاومة على وجه الخصوص على السكة الصحيحة في مواجهة المشروع الصهيوني الإمبريالي الذي كان وما يزال يستهدف الأرض والإنسان ويعمل لاستباحة المنطقة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وحضارياً.
لقد وضعت الساعات الست الأولى من حرب تشرين الوجود الإسرائيلي على كف عفريت (وفق كلمة متلفزة لغولدا مائير مساء السادس من تشرين ١٩٧٣) وذلك بعد سيطرة القوات العربية السورية على مرصد جبل الشيخ واجتياز خط آلون، فيما اجتازت القوات المصرية خط بارليف وعبرت قناة السويس وتم إسقاط عشرات الطائرات الإسرائيلية واستطاع المقاتل العربي ومن خلال استيعابه لاستخدام الأسلحة المتطورة على الأرض وفي البحر والجو بتر ذراع “إسرائيل” الطويلة وتقييد مدرعاتها وقطعها البحرية ما أدى لانهيار معنويات قادة وجنود جيش العدو.
لقد بدأ العرب يتلمسون النتائج الحضارية والثقافية والتنموية لانتصار تشرين في السنوات اللاحقة وثمار التضامن العربي والثقة بالعقل العربي وتأكد الجميع أن صراعنا مع “إسرائيل” ليس صراعاً عسكرياً فقط وإنما هو صراع حضاري وجودي يتطلب تحقيق التوازن الإستراتيجي مع “إسرائيل” وداعميها (وفق ما عمل عليه القائد المؤسس حافظ الأسد) الذي عمل على بناء سورية اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً وحضارياً واستطاع جسر الهوة التي سببها إخراج مصر من جبهة المواجهة بعد اتفاقيات كامب ديفيد..
كما عزز ثقافة المقاومة ودعمها في سورية ولبنان والتي أثمرت انتصار المقاومة اللبنانية وتحرير معظم الأراضي اللبنانية عام ٢٠٠٠ و كذلك تحقيق الانتصار في حرب تموز 2006.
لقد عملت “إسرائيل” وأمريكا والإمبريالية العالمية على إجهاض ما تحقق في حرب تشرين وكان “الربيع العربي” وتحويل الصراع من عربي- إسرائيلي إلى صراع عربي- عربي وصراع طائفي أو إثني وتغذية المجموعات الإرهابية ودعمها أحد أوجه محاولات إجهاض ما تم إنجازه في تشرين وما تلاه.
إن صمود سورية في وجه هذه الحرب الكونية المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات بدعم من أشقاء وحلفاء وأصدقاء هو تأكيد على أن صراعنا مع “إسرائيل” والإمبريالية العالمية هو صراع وجودي ذو أبعاد عسكرية وحضارية وأننا سوف ننتصر في نهاية المطاف كما انتصرنا في حرب تشرين رغم اختلال موازين القوى لأننا أصحاب حق وأصحاب إرادة وتصميم.