عمّي أبو ماهر

حدثني عمّي أبو ماهر عن مجموعة من الأمور التي كان بطلها، وأظهرت الطاقة الكامنة لديه، والتي لم يكن يعلم عنها شيئاً، فمثلاً شاهد ذات يوم معركة على وشك الحدوث بين اثنين من زملائه، أحدهما ضخم جداً، وكما يقال، «مترين بمتر»، والآخر صغير الحجم، وبعد ملاسنات بينهما، قام العملاق بالركض باتجاه الثاني، ناوياً أن يُحطِّمَه تحطيماً، فما كان من عمِّي أبو ماهر، وبحركة لا إرادية إلا أن أحاط بذراعيه الضخم الراكض فأوقفه في أرضه كالمسمار، فاستغرب جميع من شاهد هذه الحادثة القوة الكامنة التي جعلته يُثبِّت زميله العملاق، ويمنع العراك المُحتَّمة نتيجته ضد صغير الحجم.
وفي مرة أخرى كان واقفاً في أحد «الطوابير» على الفرن، وقام أحد العمالقة المتعجرفين بـ«دفش» الرَّتل بأكمله، حتى كاد يوقع جميع من فيه، وحينها من حلاوة الروح، ومن رفض داخلي للظلم، وطاقة لا معقولة تنبع من القلب والروح معاً، استطاع عمّي أبو ماهر ضرب العملاق كفَّاً دوى صوته في كامل أوروبا الشرقية، ولحجم المفاجأة انسحب ذاك المتعجرف، تاركاً الطابور ليعود إلى ما كان عليه من نظام، ومن دون أي تجاوزات، حتى إن الجميع شكروا عمّي كبطل شرف، عارضين عليه أن يأخذ أرغفته قبلهم، لكنه رفض إلا الالتزام بدوره، فهو لم يفعل فعلته إلّا بفعل الطاقة الكامنة كما أخبرني.
وضمن دراسة قرأتها مؤخراً، فإن كل إنسان يملك من القوى ما لا يستطيع عقل تخيُّله، لكنها بحاجة إلى التحفيز لتظهر، وتشير تلك الدراسة إلى أن الإنسان السوري تحديداً لولا تلك الطاقة ما كان سيستطيع أن يكمل السنوات العشر من الحرب بأدنى أذيات نفسية وجسدية، فما يتحمله يومياً فاق ما تحمَّله أيوب في زمانه، وأصبح عنواناً للصبر على الفساد والتجاوزات وضيق العيش وانعدام «طاقات» الفرج، لكن طاقاته الكامنة تفعل فعلها، وكل الخشية أن تنفد فجأة، أو أن تتفاعل بقوة مضاعفة، حينها سيصبح الكل مثل عمّي أبو ماهر وربما أكثر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار