في عتمة الحُلُم، لَمَعَت محتويات أحد الصحون على المائدة، اقترب الحالم رويداً رويداً من ذاك الصحن اللامع، وما إن توضَّحت ملامح ما فيه، حتى هَرَعَ إلى كيس الخبز، أخذ منه رغيفاً، وتوجَّه إلى إحدى الجواهر اللامعة صغيرة الحجم الموضوعة في الصحن، وضعها في قطعة خبز، وما إن دخلت اللقمة فمه حتى بدأت حليماته الذوقية الاحتفال على لحن «الدخول إلى الفردوس»، العَصَب الشَّمِّي لديه أقام الأفراح، وعصوبات مُخِّه فرفحت، حتى المعثكلة ونفير أوستاش وجزر لانغرهانس انتعشت وأعلنت سعادتها الأصيلة، ولم يبقَ شريان أو وريد أو خلية في جسمه لم تحتفل بهذا الحدث العظيم, وإذعاناً منه لأفراح جسده، وقف وسط المطبخ، رافعاً صحن اللآلئ بيده وقال كشاعِرٍ مُجيد: «مُطلَقٌ فرحي وسروري الأبدي.. جروحي التأمت وآهاتي انمحت.. دواءٌ لكل الأسقام.. عشقٌ لا يضمُرْ وتعويذة للسلام.. بين أحضانه يفنى الخصام.. وفي لآلئه مِلْحُ الأزل، وأحمرُ الغزل، وزيت الأمل، وثومٌ حنون، يُغلِّفها باذنجان زيَّنته الملائكة على مهل.. مكدوسةٌ واحدةٌ تكفي لأحبَّكم جميعاً وأحبَّ نفسي أكثر.. كلوها ففيها صلاةٌ للأرض وقربانٌ للسماء.. وانتشاءٌ ما بعده انتشاء».
صفَّق لنفسه كثيراً، ثم أمسك ورقةً وقلماً، وكتب على رأس الصفحة: «العبر والدروس في عشق المكدوس»، ووضع تحتها عنواناً ثانياً: «تهدئة النفوس بأكل المكدوس»، ولأنه بعيد عن التنظير قرر التعبير عن ذاته بالشعر، فكتب: «ما معنى أيلول برمّته؟ وما صحّة الخريف من أصله؟ وكيف نُمسِك بميزات الوجود؟ وأين نعيش سِفْرَ الخلود؟ وماذا يبقى من رنين الأسئلة ومغزى الحب إن لم “نَتَمَكْدَسْ” معاً؟».
ولكمية السعادة في روحه استيقظ من حلمه والابتسامة مشرقة على وجهه، استغربت زوجته من حالته، وما إن سألته عن السِّر الكامن وراء ذلك، أخبرها بأنه عاش حُلُماً مكدوسياً هائلاً وشرح لها تفاصيله، فضحكت ملء قلبها، وقالت له: «جميلٌ أنك تحلم بالمكدوس، لأن تحقيقه على أرض الواقع بات بحاجة إلى الكثير من الفلوس، يا زوجي المنحوس».