يبدو أن خيبة الأمل الفرنسية لا تتعلق بخسارة صفقة الغواصات مع أستراليا التي تتراوح قيمتها بين 37 وستين مليار دولار رغم أهمية المبلغ وإنما تتعلق بالمواقف الأمريكية والتحالف الجديد الذي ضم بريطانيا وأستراليا وأمريكا من دون أن تخبر به أحداً من حلفائها الأوروبيين قبل إنجازه بشكل كامل ومن دون أن تحسب أمريكا أي حساب لانعكاساته السياسية والعسكرية والمادية على دول الاتحاد الأوروبي التي مولت مادياً معظم مغامرات أمريكا العدوانية بالمال والقوات العسكرية خلال العقود السابقة وهذا ما دفع وزير الخارجية الفرنسية للقول إن التحالف الجديد وما نتج عنه من إلغاء صفقة الغواصات مع أستراليا هو طعنة في الظهر.
إن فرنسا تعلم أكثر من غيرها أن الطعن في الظهر وخيانة الحلفاء والضرب تحت الحزام والتنصل من الاتفاقيات ومن قرارات الشرعية الدولية هي صفات قد يتباهى الأمريكيون بها وهذا ما استشعره الرئيس الفرنسي ماكرون في بداية عهد ترامب عندما دعا إلى تأسيس حلف عسكري أوروبي لعدم ثقته بحلف “ناتو” الذي تسيطر عليه أمريكا وعند ذلك أجهض ترامب تلك الفكرة بالتهديد والوعيد وبالعمل الدبلوماسي.
لقد أطمأنت أمريكا واستبعدت التفكير بالمصالح الأوروبية خاصة بعد أن نجحت بإخراج بريطانيا نهائياً من الاتحاد الأوروبي باعتبارها تمتلك القوة العسكرية الأكبر والأهم على مستوى الاتحاد وربما على المستوى العالمي وبالتالي فإن تجريد الاتحاد الأوروبي من مخالبه العسكرية البريطانية أتاح لأمريكا الآن ومستقبلاً أن تتابع الطعن بالظهر وأن تعالج خيبة أمل من كانوا يظنون أنفسهم حلفاء بمكالمة هاتفية من بايدن لمن يعانون من هول الصدمة الأخلاقية والعسكرية والسياسية ولا أعتقد أن المكالمة المرتقبة بين بايدن وماكرون سوف تغير من الآثار الناتجة عن واقعة الغدر التي كشفت بأن أمريكا لا تقيم وزناً للحلفاء والأصدقاء وأن تظاهرها بذلك يتبخر عندما تتطلب المصالح الأمريكية الضيقة أو الواسعة ذلك
أن الصفعات الأمريكية للأصدقاء ولشعوب العالم باتت مقلقة لدرجة أن الرئيس الأمريكي السابق ترامب توقع انهيار أمريكا في غضون سنوات ثلاث وأن وضعها بات مضحكاً.. وهو يعلم أنه لم يكن أفضل من خليفته أو أقل غدراً وطعناً في الظهر.
إن الاستهتار الأمريكي لن يتوقف طالما بقي من يعتقدون أنهم حلفاء يعالجون خيباتهم بكلام معسول من إدارات أمريكية تدوس كل القيم لتحقيق مصالحها حتى ولو طعنت حلفاءها بالظهر أو لعقت دماءهم.