بعد أمسية أيلولية قضاها أبو سالم عند صديقه في أرض الديار، أحسّ في نهايتها أن لسعة زائدة من البرودة أصابته، لم يعطِ بالاً للموضوع في حينه، لكنه ما إن وصل إلى منزله، حتى نالت منه «نزلة برد أخت محلوشة»، إذ بدأ جسمه يرتجف ارتجافاً بلغ ست درجات على مقياس ريختر الخاص به، ورغم كل محاولات تدفئته باللباس والبطانيات والسوائل الساخنة إلا أنه لم يتخلَّص منها إلا مع حلول الصباح، وبسبب عدم قدرته على النوم ليلتها، وما إن انتهى من رجفة البرد حتى انتابه صُداع أليم في قحف الرأس، يمتد على شكل لسعات عصبية إلى الصدغين، جعلته يصحو كلما اقترب من أن يغفو، واستمر على هذه الحال طوال النهار والليل رغم حبّات “الباراسيتامول” التي سفَّها سفّاً لعلَّه يرتاح قليلاً، لكن من دون جدوى، وبعد الليلة الثانية من دون نوم قرر مراجعة الطبيب، زار أول دكتور يعرفه لكن عيادته كانت مغلقة وعلم أن طبيبه موظف في إحدى الدوائر الحكومية صباحاً ولا يفتح العيادة حتى العصر، والأمر ذاته حصل مع طبيب آخر، فلجأ إلى مستوصف البلدة لعلَّه يجد ضالته فيمن يخفف عنه آلام رأسه، دخل إلى غرفة المعاينة فرأى الدكتور الذي يضع كمامةً زرقاء جالساً في العمق، تفصله عن المراجعين مسافة لا تقل عن الثلاثة أمتار، وعندما حان دوره شرح حاله للطبيب الذي لم يُكلِّف نفسه بالنهوض من خلف طاولته، أو قياس ضغطه أضعف الإيمان لشخص يعاني صداعاً في قحف رأسه، وفي أقل من دقيقة تفوَّه الطبيب بتشخيصه العظيم: “اشتباه كورونا” وهو يكتب وصفة الدواء، ولأن صديقي اصطحب ابنه ذا العشر سنوات الذي عانى أمس ارتفاعاً طفيفاً في الحرارة، لذا سأل الطبيب: هل من الممكن أن تكون العدوى أصابت ابني؟، فأجابه الدكتور على عجل وبتذمُّر: أحضر له الأدوية نفسها ولكن المخصصة للأطفال.
خرج أبو سالم وابنه سالمان غانمان بتشخيص هوائي، سُرعان ما دحضه صديقه الصيدلاني بأن ما أصابه هو مجرد نزلة برد تلاها “صُداع توتُّري”، ناصحاً إياه بألا يأخذ أدوية الالتهاب التي وصفها له الطبيب، وأن يكثر من السوائل الساخنة، ثم أعطاه ظرف “بارافيناك” وهو “باراسيتامول” مُركَّز مع مُسكِّن قوي، قام بعده أبو سالم في اليوم الثاني كالحصان، بعدما تعرَّق “عَرَق العافية” وانتهى الأمر.