يصح اعتبار ما جاء في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في أعقاب توقيع الرئيس ميشيل عون مع الأخير لمرسوم تشكيل حكومة تكنوقراط مكونة من أربعة وعشرين وزيراً، بياناً وزارياً جرت كتابته بخطوط عريضة كمختصر لذاك الذي سيتقدم به، لاحقاً، أمام مجلس النواب لكي ينال به ثقة هذا الأخير كمدخل لا بديل عنه لكي تمارس تلك الحكومة صلاحياتها التي نص عليها الدستور اللبناني.
وإذا ما جاز لنا أن نضع عنواناً لذلك المؤتمر الذي عبر فيه ميقاتي عن أمله بإيقاف الانهيار الحاصل في لبنان، والذي ما انفكت فصوله تتوالى منذ خريف العام 2019 عبر أزمة مالية هي أشد ما عصف بالبلاد في غضون القرن الفائت، وكذلك أمله بقدرة حكومته على النهوض بالبلاد عبر تأمين الحد الأدنى من احتياجات الشعب اللبناني، فإن الفعل، أي وضع عنوان عريض، يدفع إلى التوقف عند تلك النزعة التي بدت واضحة في كلام ميقاتي بضرورة “وصل ما انقطع”، وفي شروحاتها قال بإمكانية التواصل مع أي كان، باستثناء “إسرائيل” من أجل لبنان ولأجل مصلحة اللبنانيين.
لربما كان الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من “الربيع العربي” الذي أتم عقده الأول، هو أننا، كدول وشعوب، مرتهنون ببعضنا البعض، ومصائرنا، وكذلك نهوضنا، سلسلة لا فكاك فيها، بمعنى إما أن يكون استقرارنا شاملاً وعاماً أو لا يكون، وإما أن يكون نهوضنا جماعياً أو يستحيل، وما زاد من مفاعيل ذلك “الربيع” وآثاره التدميرية على امتداد المنطقة هو انكفاء دول هذه الأخيرة عن بعضها البعض، ولولا ذلك لأمكن محاصرة النار وهي جنين، أياً تكن رياح الخارج ومدى عتيها.
وصفة ميقاتي كحل ممكن لأزمة لبنان هي وصفة ناجعة، وهي تنم عن قراءة صحيحة بالداء الذي أفضى إلى كل هذه الأمراض المزمنة بدءاً بـ”أزمة المصارف”، مروراً بالأزمة المعيشية الخانقة، ووصولاً إلى التهديد بانعدام الأمن الغذائي الذي حذر منه تقرير لمنظمة الأمم المتحدة كان قد صدر في شهر آذار الماضي.