«إذا اشتغلت حلب اشتغلت سورية كلها…. فلِمَ التأخير في دعمها لاسترجاع عزها الصناعي السابق».. كلمات قليلة قالها بحرقة أحد الصناعيين الكبار في تحسرٍ واضح على حال العاصمة الاقتصادية، التي تعيش أسوأ أيامها حالياً، ما تسبب بظهور منعكس خطير تمثل بهجرة واسعة لصناعييها في العلن كنتيجة طبيعية لكثرة الضغوط في وقت تستثمر بعض الدول كمصر هذا العجز وتقدم كل التسهيلات الجاذبة للاستفادة من خبراتهم للنهوض باقتصادها.
التقصير وإشاحة النظر عن معالجة مشاكل الصناعة في حلب، ليست هجرة صناعييها وشبابها فقط أبرز نتائجها، فالركود الواضح في أسواقها وتفاخر أصحاب المحال بعرض بضائع من إنتاج مدن أخرى أو حتى مستوردة أو مهرّبة، بينما تكدس منتجات معاملها في المستودعات يقدم دليلاً صارخاً على التعاطي السلبي والتغافل عن إيجاد حلول منتجة، هو ما ترك ظله الثقيل على الاقتصاد المحلي ومعيشة المواطن من جراء إبعاد حلب عن الساحة الاقتصادية وتجاهل مشاكلها المتراكمة مع إنّ سيناريوهات المعالجة «ممكنة», وكان بالإمكان منذ سنوات السير نحو تنفيذها تجنباً لأزمات أرهقت سكان حلب وعموم المواطنين، فهل يعقل مثلاً في مدينة قائمة على الصناعة تشديد التقنين الكهربائي ليصل إلى 14 ساعة في اليوم من دون مراعاة خصوصيتها المنتجة، التي لو وجه الدعم نحو الصناعيين الحقيقيين لكان الوضع الاقتصادي أفضل بكثير، فمن المسؤول عن إيصال العاصمة الاقتصادية إلى واقعها المتردي، ولماذا لا يبادر صناع القرار مادامت السياسة الحالية قائمة على دعم الإنتاج لاتخاذ قرارات تنصف مدينة حلب المظلومة وتوقف نزيف الكفاءات الحاصل، الذي سيدفع الاقتصاد المحلي ثمنه لاحقاً.
تردي الوضع الاقتصادي والخدمي في مدينة حلب، يتحمل مسؤوليته أيضاً القائمون على الغرف التجارية والصناعية والمعنيون من أبناء المدينة، الذين يعرفون «البير وغطاه» كما يقال لكنهم لم يدافعوا عن مدينتهم وهموم أهلها بالشكل المطلوب، فكانت مبادراتهم جولاتٍ ودعماً إعلامياً من دون تقديم مقترحات فعلية توضع على طاولة الجهات المعنية وتقنعها بضرورة الحل الفوري، علماً أن غرفة صناعة حلب قدّمت مذكرات عديدة ظلت حبيسة الأدراج، لكن اليوم بات ضرورياً التحرك لمنع هجرة الصناعيين المتزايدة عبر إصدار قرارات داعمة لصناعتها وتراعي خصوصية المدينة الاقتصادية بعيداً عن الجولات والاجتماعات، فأهل حلب معروفون بحبهم للإنتاج وعند تقديم التسهيلات المطلوبة ستعود عجلة الإنتاج إلى الدوران في دعوة مشجعة لعودة الصناعيين في الخارج وليس العكس كما يحصل الآن، فهل من آذان تسمع بعد دق ناقوس الخطر لإنقاذ العاصمة الاقتصادية أم إنها ستترك كالعادة تداوي همومها بنفسها في خدمة جلية لدول أخرى تقطف الثمار على البارد المستريح..؟!.