مَنْ الشاعر الأول ..؟
رمى أحد الأصدقاء الأدباء سؤالاً وجلس في خيمة صمته, ينتظر إجابات الحاضرين، من دون أن تحرضه أي إجابة على أن يتدخل في مجرى النقاش، سواء بالموافقة أو الاعتراض على ما يقال، بل وأزعم أنه كان يضحك في سره, مضى صديقنا يسأل عن الشاعر رقم واحد في سورية، ثم أردفه بسؤالٍ آخر، منطلقاً على الأغلب من اعتقاد أنه أخف وطأة من السؤال الأول، فكان السؤال الثاني: مَنْ هي الأسماء الشعرية التي في الصف الأول في سورية؟, وهكذا بدأ كل من كان في الجلسة يطرح الاسم الذي يريد، منبهاً للأسباب التي دفعته لاختيار هذا الاسم أو ذاك، مناقشاً ومناكفاً لكل رأي يخالف رأيه، في أنّ هذا الشاعر أو ذاك هو رقم أول، ثم تنبهوا جميعاً إلى أنّهم يجب أن يكترثوا فقط بالسؤال الثاني، فعادت أسطوانة إجاباتهم تدور في المنحى ذاته، فإن كان الشاعر الذي اختير اسمه ليكون في الصف الأول يرضي الغرور الأدبي أطلق اسمه، لكن من دون أن يكون للكلام أي عمق نقدي في أسباب الاختيار، متناسين أنّ الشاعر لا يمكن أن يكون كل منجزه الشعري في مستوى واحد، وتظل أسباب الاختيار لهذا الاسم أو ذاك بعيدة عن تقييم ما أنجزه وما قدّ ينجزه في ضوئها. والملاحظ من ذلك النقاش أننا نعتمد غالباً في اختياراتنا على النموذج الشعري الذي نحب أو نكتب، وهذا ليس دقيقاً من الناحية النقدية. وبالعودة للسؤال الأول نزعم أن ثمة جملة ظروف لم تعد موجودة لتدفع بأي مبدع إلى الصف الأول، سواء تفرّد أم لم يتفرّد بإبداعه، أو حتى لمجموعة من الأسماء، برغم ميلنا لهذا الطرح، الذي يبعدنا عن تراثية التفضيل هذه، إن لم نقل تقليديته, فلماذا يجب أن نظل في عهد متنبي واحد، أو نزار قباني واحد، أو محمود درويش واحد، مادمنا نستخدم مصطلح «المشهد الشعري أو الوسط الشعري»، ثم ماذا عن الشاعرات اللواتي فرضن إبداعهن في العقود الثلاثة الأخيرة، ليس على المشهد الشعري في مدينة بل تجدهم في كل الأقطار العربية، وبمستويات إبداعية تضاهي ما يبدعه الشعراء؟.