«حسبة» كبيرة ..!

بات تأمين كسوة العيال بالتزامن مع افتتاح موسم المدارس يكلّف «حسبة» كبيرة تكسر الظهر، لذا أجبرنا على الاكتفاء بالضروري فقط، مع التحسر على أيام زمان التي لم نرَ فيها يوماً الحزن في عيون أبنائنا, قالها بحرقة قلب أب غير قادر على توفير مستلزمات عائلته بسبب غلاء الألبسة الجنوني، الذي يشعرك وكأنك تعيش في بلد آخر وتحديداً عند مقارنتها بالأجور، التي قد لا تشتري قطعة لباس واحدة من بعض المحلات، فكيف لأسرة محدودة الدخل شراء كسوة لأبنائها أو تأمين اللباس المدرسي الذي أصبح تأمينه يستلزم قرضاً يستلزم تسديده حتماً «عصات» معيشية شديدة.
ارتفاع أسعار الألبسة الصيفية والشتوية حرم عائلات كثيرة من التفكير في شرائها، فاليوم تأمين مأكولها أصبح يشكل مشقة، ما جعل فكرة التسوق تشكل رعباً حقيقياً لها، وهذا مرده إلى ترك السوق لسنوات تحت رحمة حيتان السوق يتحكمون بآليات التسعير مع قبول موظفي التسعير بفروضهم، ويزيد «الطين بلة» عدم قدرة التموينيين على ردع المخالفين كنتيجة لوجود عقوبات مخففة، لكن اليوم مع عقوبات قانون حماية المستهلك المشددة يجب ضبط سوق الألبسة المنفلت بطريقة تمكن الأسرة من كسوة أبنائها، وهذا أضعف الإيمان، الأمر الذي يتطلب آلية تسعير صحيحة لهذه المنتجات، وهذا ممكن وخاصة مع ظهور محاولات جادة لفرض وزارة التجارة الداخلية سطوتها على الأسواق بعد سلسلة التغيرات في هيكلها، وإن كانت تحتاج إلى «نفضة» من العيار الثقيل تعيد إليها دورها المسلوب، إلا أن الأهم العمل على تدوير عجلة الإنتاج وتشغيل المعامل بطاقات إنتاجية كبيرة، عبر تأمين احتياجات الصناعة بأسعار مقبولة، فحتماً إذا كانت تكلفة الإنتاج مرتفعة ستؤثر في سعر المنتج النهائي، وهذا ما لم يستفد منه الفقراء بمن فيهم الموظفون، وهنا نستشهد باعتراف لأحد الصناعيين الكبار بأن أغلبية الإنتاج موجه للتصدير لكون المواطن غير قادر على الشراء، فأين المعنيّون من هذا الكلام الخطير، الذي يترك السوق للمهربات والمستوردات في خرق واضح لحماية الصناعة المحلية وتقوية شوكتها؟.
تخفيض أسعار السلع وتحديداً الغذائية والألبسة يتطلب إجراءات وقرارات جريئة تفعّل جدياً مقولة صانت لقمتنا وقرارانا الاقتصادي لعقود «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع»، بدل الاتكال على «ثوب العيرة»، الذي لن يدفئ أبداننا أبداً مع دفع الضريبة لاحقاً حينما نصبح رهناً لمنتجات الغير، ولنا فيما نعيشه اليوم دليلٌ صارخٌ يجب الاستفادة من تجاربه المريرة قبل وقوع المحظور، فهل يبادر صناع القرار إلى تصحيح مسار دعم الزراعة والصناعة أم إن نهج التسويف والدعم الكلامي سيظل المسيطر والخسائر تدفع دوماً من جيوب المواطن والخزينة، وسيظل المقصرون والفاسدون في مأمن من الحساب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار