ما بعد آب بغداد
في أعقاب انتهاء أعمال مؤتمر “التعاون والشراكة” الذي انعقد في بغداد في 28 آب الماضي، والذي جاء بيانه الختامي متناقضاً مع السياسات التي تتبعها غالبية الدول الحاضرة فيه، ما يفقد الخطوة قيمتها السياسية التي جرى الرهان عليها، فأي مصداقية يمكن أن يكتسبها الإجماع الذي ورد في ذلك البيان على “ضرورة توفير الأمن والاستقرار في المنطقة، والالتزام بمبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، إذا ما كانت باريس إيمانويل ماكرون، الحاضر عن نفسه أصالة وعن نظيره الأمريكي جو بايدن بالوكالة، تمثل إحدى الحراب -جنباً إلى جنب مع الحربتين الأمريكية والبريطانية- التي ما انفكت تعمل على توجيه الطعنة تلو الأخرى كلما لاحت في الأفق بوادر انفراج، أو كلما راكمت التطورات مؤشراتها التي توحي بقرب حدوث هذا الأخير.
نقول.. في أعقاب انتهاء أعمال اللقاء برز حدثان مهمان لهما الكثير من الدلالات، أولاهما لقاء الرئيس العراقي برهم صالح بالسفير السوري في بغداد في اليوم التالي لذلك اللقاء، وفيه شدد صالح وفقاً للبيان الصادر عن الرئاسة العراقية على “الدور المحوري الذي تلعبه سورية في المنطقة” وكذا على “الأثر الكبير الذي يعكسه استقرارها وأمنها على أمن واستقرار العراق والمنطقة برمتها”، كما جاء في البيان قول الرئيس العراقي إن “التنسيق مع القيادة السورية كان حاضراً بهدف توحيد المواقف تجاه كل القضايا”، وثانيهما زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ولقائه بالرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية فيصل المقداد.
ما يشير إليه الحدث الأول هو أن العراق ماض في حساباته التي تنطلق من حقائق الجغرافيا والتاريخ التي يجب أن تطغى على أي معطيات أخرى تفرضها ضرورات مرحلية، أما الثاني فهو يعني تكريس التحالف الإستراتيجي القائم بين دمشق وطهران، بل يعني رفع سقوفه لمواجهة التحديات الراهنة، وكلا المؤشرين دلالة على أن الرهان على محاولات عزل دمشق هو رهان خاسر.