المذكّرات ليست رواية
لا يزال بعض الذين يجربون حظهم في حقل الكتابة الروائية، غير عارفين ما هي مقومات فن الرواية، فيخلطون بين المذكرات، وبين أن تعتمد الرواية على السيرة الذاتية، فيما يمكن أن تعتمد عليه، كأحد مصادر الروائي/ة، مع عناصر تخييل لا بدّ منها لكل عمل أدبي لتتشكل جماليات الرواية وعناصر الإدهاش التي بدونهما سيعزف القارئ عن متابعة القراءة.
لكن ثمة من يعرف أنه يخلط ولا يميّز، وهذا ما يذكره على صفحات كتابه، كما فعلت الكاتبة العراقية “بلقيس حميد حسن”، التي صدر لها كما يقول غلاف كتابها الأخير خمسة دواوين شعر وروايتان، بما فيهما الكتاب الذي بين أيدينا ” المربع الأسود” الصادر عن دار كنانة في دمشق؛ فالغلاف الأول للكتاب يشير إلى أنه رواية، والغلاف الأخير يشير إلى أنه ذكريات، من دون أي إشارة إلى الاستفادة من هذه الذكريات في بناء عوالم شخصيات الرواية.! فما فعلته الكاتبة بلقيس لا يعدو أن يكون سرداً لما عاشته من أحداث بدءاً من طفولتها ومراهقتها حتى يفاعتها وبلوغها وزواجها وإنجابها طفلها الأول، وعملها مع إحدى منظمات المقاومة الفلسطينية في لبنان. فوفق ما كتبته كل شخص يمكن أن يفعل ذلك، إذ لا وجود لشخصيات روائية، وحوارات، وأحداث تسهم في تطوير هذه الشخصيات، فافتقدنا أيضاً للدراما، والأهم من ذلك كله ما هي الفكرة الأساسية التي أرادت أن تعالجها أو تقاربها بروايتها وتقدمها للقارئ ؟ فذلك غير متوافر في صفحات الكتاب الذي لم يصل لمرحلة النسيج المتقن ككتلة واحدة.
ما جاء في الكتاب كان بصيغة خبرية لا يفيد القارئ، فلا وجود لحوارات حول ما حدث لتكون ثمة بقعة ضوء يستفيد منها قارئ لم يعش تلك الأحداث، والتي يمكن أن يعود لأرشيف أي صحيفة فيأخذ علماً بها. نشير إلى ذلك رغم محاولة الكاتبة بناء شكل فني من خلال إضافة بعض السطور بعد كل فصل بعنوان ثابت هو ” من مفكرتي” كلازمة تفاوتت بعدد كلماتها، لكنها مع الأسف لم تندغم مع ما قبلها فيمكن حذفها من دون أن تترك أثراً سلبياً.!
ختاماً، الرواية أن تشفي شغف القارئ بفن الرواية، وهذا ما لم يحققه كتاب ” المربع الأسود”.