كادت الشعرة أن تقصم ظهر البعير
لا تتيح الضغوط الداخلية التي يواجهها النظام التركي بفعل عوامل عدة تبدأ عند أزمة اقتصادية صعبة من المرشح أن تتصاعد وتيرتها على وقع الحدث الأفغاني، وهي تمر بمحاولات بلورة الأحزاب المنشقة عن “حزب العدالة والتنمية” العام الفائت لكياناتها، بعد أن أدت، عبر انشقاقي أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، إلى فقدان الأخير لما يزيد على ثلث التمثيل الذي يحظى به في الشارع التركي، ثم تصل لتراصف العديد من القوى العلمانية التي استشعرت خطراً في مشروع رجب أردوغان ذي النفحتين العثمانية والإخوانية في مواجهة علمانيتها المنزرعة منذ نحو قرن أو يزيد، نقول لا تتيح تلك الضغوط لسائق العربة، كما يبدو، تقدير الحمولات التي تراكمت في عربته وباتت تهدد بانكسار “المحور” الذي تستند عليه أجزاء نقل الحركة، فالتمدد الذي أتاحته انكسارات المنطقة البادئة بما يسمى “ربيع العام 2011” في المنطقة العربية، وصولاً إلى ما يحدث في جنوب القوقاز وقبرص مؤخراً كان من النوع الذي يفوق قدرات الكيان التركي على تحمل تداعياته، وهو الأمر الذي كانت ترقبه عن كثب كل من موسكو وواشنطن اللتين نجح أردوغان عبر ممارساته الزئبقية معهما في تحقيق مكاسب يتيحها تضارب المصالح فيما بينهما على العديد من الجبهات، إلا أن تنامي الدور غير المتناسب مع القدرات، كان قد حول النظام التركي إلى “بالون منفوخ” لا يحتاج إلى أكثر من دبوس يقترب منه لكي ينجح في إفراغه من الهواء المتراكم، فيعود إلى حجمه الطبيعي الذي كان عليه.
جربت واشنطن إحدى الدبابيس في أتون انسحابها من أفغانستان، عبر الضغط على أردوغان لإقناعه بإرسال قوات تركية بغية تأمين مطار كابول، الأمر الذي تريثت أنقرة في قبوله لوقت قصير، ثم عادت لتعلن عن نيتها إرسال قواتها تحت غطاء حلف “ناتو”، لكنها عاودت التراجع عن قرارها لحسابات أدركت أنها ستكون ذات تداعيات خطرة على الداخل التركي، خصوصاً أن حركة “طالبان” كانت قد أعلنت عن رفضها لوجود أي قوات أجنبية على أراضيها تحت أي ذريعة كانت.
استشعر أردوغان مؤخراً خطر اقتراب الدبوس من البالون فقرر الابتعاد بالأخير عن الأول، لكن ذلك لا يعني أن جعبة الدبابيس الأمريكية، وكذلك الروسية، قد فرغت من محتوياتها التي لا تزال عامرة بالكثير منها، وما لم توفقا فيه اليوم لا بد وأن تنجحا فيه بتكرار المحاولة، ثم إن فشل سياسة الدبابيس قد يدفع إلى إستراتيجية جديدة من نوع تقريب النار التي يمكن لها أن تفجر البالون ولو عن بعد.