حسن نية ..!

في زحمة «الركض» المنهك وراء لقمة العيش، كان يعتقد أصحاب الدخل المحدود أن جنون أسعار السلع سيتوقف وستضبط معه فوضى الأسواق المرهقة لجيوبهم عند مبادرة وزارة التجارة الداخلية إلى حمايتهم عبر تفعيل أدواتها وتنشيط مراقبيها في استثمار فاعل للفرصة الدسمة التي منحها إياها قانون حماية المستهلك الجديد لعلّها تعيد هيبتها وتسحب البساط من تحت حيتان السوق، الذين غالباً ما يفرضون تسعيرتهم الخاصة بقوة المال والمحسوبيات، ضاربين عرض الحائط بمصالح المواطن والبلاد في أشد أزماتها، لكن للأسف فشل «التموينيون» في تحقيق هذه الغاية وخاصة بعد تفضيل اتباع سياسة كسب رضا أهل التجارة وعقد اتفاقيات تسوية مع المخالفين وإعطاء فرصهم لـ«لملمة» تجاوزاتهم المكشوفة على نحو أفقد القانون معظم سطوته وجدواه.
لا تزال الأسواق اليوم تعيش التخبط ذاته وسط ركود اقتصادي مخيف والمتزامن مع استمرار مؤشر أسعار السلع في الارتفاع، ما يهدد معيشة عائلات كثيرة تنتظر بفارغ الصبر حصول تغير ما يخطه أصحاب الأقلام الخضراء ينعكس إيجاباً على حياتها، وهنا لا يمكننا إلا أن نثني على بعض بوادر حسن النوايا، التي أطلقها وزير التجارة الداخلية الجديد، بعد تصريحه اللافت ولأول مرة في تاريخ هذه الوزارة المملوء بالعثرات، أن الفقراء وذوي الدخل المحدود هم هدفها الأساس، الأمر الذي يمنحنا بصيص أمل بإمكانية ضبط أحوال السوق وكبح جشع تجاره الكبار وقمع مخالفاتهم المتزايدة بطريقة تنصف المستهلكين وتحمي معيشتهم من بازارات المضاربات وتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح أو أقله توازن تسعيرة السلع بطريقة تتوافق مع الأجور الشهرية، التي بات رفع “دوز” قيمتها ضرورة ملحة لإنعاش حالة الأسر المتعبة وتحريك وضع السوق الراكد.
ضبط واقع الأسواق المنفلتة من عقالها لا يتطلب فقط إعادة هيكلة وزارة التجارة الداخلية وتنشيط مهامها في مجال حماية المستهلك والتاجر معاً، فهذه المهمة الصعبة تتطلب تعاوناً وعملاً مشتركاً مع جميع الوزارات والجهات المعنية كالاقتصاد والصناعة والزراعة والإدارة المحلية، فهذه الوزارات عملها تكاملي، وأي جهة تتنصل من مهامها وتقصيرها ستزيد الطين بلة، لذا نأمل البناء على سابقة وزارة التجارة الداخلية الفريدة المتمثلة بالوقوف مع المواطن والرغبة في حمايته والعمل معاً على إعادة ضبط عقارب ساعة أسواقنا الفوضوية إلى وضع مستقر يرضي المواطن والتاجر الحقيقي، ولكيلا نفرط بتفاؤلنا لمجرد إعلان يبهج القلوب بعد نكبات معيشية كان لوزارة التجارة الداخلية يد طولى في تفاقمها، ما علينا سوى الانتظار لبعض الوقت حتى تنكشف الوقائع وتتضح خطة مسؤوليها في إنصاف المواطن الغلبان .. عندها فقط سنملك القدرة على الحكم إذا كان هناك أمل فعلي بإحياء وزارة تعد بحكم الميتة أو تغط في سبات عميق لغايات في نفس فاسديها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار