إنكار التعلّم ..!
لا يزال الكثير من المبدعين يدّعون أنهم لم يستفيدوا أو يتعلموا من النقد، وأن تجربتهم بَنَتْ نفسها بنفسها، وقد تطورت نتيجة جهدهم الذاتي وما يمتلكونه من حسٍّ نقدي، وبه فقط استطاعوا تطويرها وتجديدها وتنويعها، مع إنهم يغتاظون عندما يتجاهلهم النقد، بل و«ينفلقون » من شدة الغيظ, فالنقد في عرفهم مديحٌ فقط، لا أن يذكر النص النقدي ما توافر في العمل الإبداعي من مقومات فكرية وفنية أتقنها صاحب العمل، وأن يسلط الضوء أيضاً على ما هو سلبي وإيجابي، أي إن يشير إلى سلبيات العمل من أخطاء وثغرات، وتكرار وعدم إقناع، إلى آخر ما هنالك، أو إلى تميّز وجديد، وإتقان، وفق جنس العمل الإبداعي, وبرغم ما سبق لا يمكننا ألا نقرّ بأن داخلُ كلِّ مبدعٍ ناقداً، لكن هذا الناقد لا يتطور من تلقاء ذاته، بل من تعلمه من الآخرين الذين يقرأ لهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن الإبداع ذاته الذي يشتغل في حقله, وإن كان معظم المشتغلين بالحقول الإبداعية كلها ينفرون من النقد إن أشار إلى ثغرات ما أنجزوه, وإلى سلبياته، وفي مقدمتهم الذين هم في حقل الدراما على تنوعها: «التلفزيونية والمسرحية والسينمائية»، والذين هم وللمفارقة أكثر المتلهفون لما سينشر عن إنجازاتهم, لكن في حال لم تعجبهم أي كتابة نقدية عن أعمالهم يحتمون بالمتابعة الواسعة من قبل الجمهور لها، برغم عدم صواب ذلك، فالجمهور تأخذه ركائز أخرى غير نقدية، مشحونة بالعواطف, ففي ظل نفور من أشرنا إليهم، هل يمكن القول: إن كل من تظل لديهم حالة نفور وعدم تقبل من النقد، لن تتطور تجاربهم الإبداعية؟ أقول ذلك في ضوء ما كتبه بعض النقاد في منشورات تختزن دلالة عميقة وهامة, تصل إلى درس ذهبي عام، مفاده أن كل من يقبل النقد والتوجه القائم على خبرة، ويتعلم من الأخطاء وممن سبقه في التجربة، فهو موهوب أو مبدع وجادّ، وكل من يماحك ويكابر ويطلق أحكاماً إيجابية على نفسه، ويتمسك بما قاله مجاملون له فهو دعيّ، وهو فقاعة سرعان ما تتلاشى مع الأيام.