تعد هزيمة أمريكا في أفغانستان الأسوأ في تاريخها وفق تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكن هزيمتها الأخلاقية والإنسانية قد تكون الأشد ذلك لأن عشرين عاماً من الاحتلال الأمريكي لذلك البلد وإنفاق أمريكا لأموال بلغت قيمتها تريليون دولار (وفق تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن) لم تنعكس إيجاباً على أحد.. فقد كانت هزيمة الجيش الأفغاني الذي زودته أمريكا بأحدث الأسلحة أمام طالبان ناتجة عن الفساد الذي اعترفت به الإدارة الأمريكية وبالتالي اعتبرت أن دعم الجيش الوطني الأفغاني لوقف تقدم طالبان هو مضيعة للوقت وأن (الهريبة ثلثا المراجل) وهي تحث الخطا لإجلاء ما يمكن إجلاؤه قبل بداية شهر أيلول من دون الرضوخ لمطالب شركائها في حلف “ناتو” لتمديد المدة لأيام معدودة بعد الحادي والثلاثين من شهر آب الحالي الذي حدده بايدن وذلك خوفاً من هجمات مجموعات إرهابية من بينها “القاعدة “و”داعش” على مطار كابول وعلى القوات الأمريكية التي من المفترض أنها تقارع الإرهاب (وتنشل الزير من البير).
إن الهزيمة الأخلاقية والإنسانية تكمن في تخلي أمريكا عن حلفائها وعن الشعب الأفغاني الذي تركته لقمة سائغة أمام الإرهابيين وإن ملياراتها التي صرفتها في أفغانستان لم توضع في مشاريع تنموية أو في بناء جيش وطني أو في القضاء على الفساد أو في وقف تجارة المخدرات أو في حل الأزمة الأفغانية وإنما صرفتها (لغاية في نفس يعقوب) ولتترك الأوضاع أشد ما كانت عليه من سوء.
إن شعارات محاربة الإرهاب والجريمة ونشر الديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ما هي إلا عبارات جوفاء تتشدق بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة وما حدث في أفغانستان يمكن أن يتكرر في أي مكان من هذا العالم، إذا بقيت القوى الكبرى تنصاع لإرادة واشنطن وتصدق أكاذيب مسؤوليها مع تأكيد أن أخطار تلك السياسات الأمريكية المشبوهة سوف تنعكس على الجميع بما في ذلك الأمريكيون الذين لن يحصدوا إلا المزيد من الانتكاسات العسكرية والأخلاقية.