نادراً ما سمعت عن رجل استحمَّ بدموعه، لكن هذا ما حصل فعلاً مع جارنا «أبو كرم»، فما إن دخل إلى الحمام ليغسل عنه غبار مهنته الشاقة في ترحيل الأتربة، ونقل البلوك، وأكياس الإسمنت، ووضع الصابون على رأسه وجسمه، حتى اكتشف أن خزَّانه «صَفَّرْ»، وما هي إلا دقائق حتى سمعت «أم كرم» صوت نشيجه من داخل الحمام. هرعت إليه مستفسرةً، لكنه بقي على حاله لأكثر من ربع ساعة، يبكي بكاءً مريراً، ويعنّ عنيناً كناعورة آلام، ويصدر أصواتاً أشبه بطفل يبكي ولا يستطيع التوقف.
أدركت الزوجة مصدر التراجيديا المرة التي وصل إليها «أبو كرم»، إذ إن مياه لم تخرخر في حنفية منزلهم الرئيسية منذ أربعة أشهر، ولم يمضِ على آخر تعبئة لخزانهم الذي يتسع لعشرة براميل سوى أسبوع واحد، وحينها رفض «ملك الصهريج» أن يتنازل عن قرش واحد من الخمسة عشر ألف ليرة، بحجة أنه يملأ صهريجه من منطقة بعيدة، وأن سعر المازوت ارتفع، فضلاً عن أنه في كثير من الأحيان يقوم بشرائه من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، ومجرد التفكير بأن «أبا كرم» مضطر الآن لدفع خمسة عشر ألف ليرة مرة أخرى، كان كفيلاً بجعله يبكي كالطفل، ويستحم بدموعه، لأنه بحاجة إلى ستين ألف ليرة للماء فقط، وهو كعامل مياوم يتلقط رزقه بطلوع الروح، بعدما تجاوز الثامنة والأربعين، وصحته لم تعد تساعده كما في السابق بفعل الزمن وثقل الهموم التي يحملها على عاتقه هو الأب لأربعة أولاد، والأنكى أن جميع الشكاوى الموجهة لمديرية وحدة المياه في صحنايا لم تجدِ نفعاً، مرة بحجة أن الكميات الموزعة قليلة، وأخرى بأن قلة ساعات وصل الكهرباء لا تساعد على التوزيع العادل، وثالثة بأن استهتار المواطنين الآخرين وهدرهم للمياه يسهم في حرمان آخرين منها، وغير ذلك الكثير، ليبقى «أبو كرم» محروماً من حقه في أن يستحم بالماء لا بدموعه.