كف يد ..!

بأيديهم «الواصلة»…. نجح المهربون بعد صولات وجولات في وضح النهار طوال سنوات الحرب السوداء على سورية في تمرير كل أنواع السلع، محققين ثروات طائلة على نحو ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد المحلي لأمرين كليهما «مرّ», أولهما: أن هذه الكتلة المالية الضخمة كان يفترض تسريبها إلى الخزينة العامة وليس لجيوب المهربين وشركائهم الفاسدين، وثانيهما: إضعاف منافسة المنتج المحلي وعدم حمايته من سلعة غير مضمونة الجودة والنوعية وإن كانت أقل سعراً، وهنا انطلقت حملات لمكافحة التهريب حققت نتائج جيدة لكن سرعان ما خبا نشاطها الذي يفترض معاودة ضخ الدماء فيه للقضاء على شبكة المهربين مع وضع ضوابط شديدة تمنع منفذي الحملة من دخول مضمار«المبازرة» والتسويات الشخصية.
التهريب خطره كبير، لكن أيضاً الاستيراد غير المدروس له ضرره البالغ وخاصة إذ شمل سلعاً ذات مقابل محلي، ما مهد الطريق للاتجاه بخطوات متسارعة إلى تحويلنا إلى بلد مستورد بعد أن كنا بلداً منتجاً يمنع تحكم حيتان الاستيراد بلقمة العيش والقرار الاقتصادي، فالوضع المتأزم كان يفرض عدم «بـعزقة» القطع الأجنبي الذي يتوجب صرفه ضمن سياسة تمويل السلع الأساسية والضرورية فقط بعيداً عن الكماليات في ظل حرب فرضت الترشيد على أشده، لكن للأسف يبدو أن سياسة الاستيراد لم تكن موفقة بدليل السماح باستيراد سلع لها مشابه محلي وأخرى كمالية بشهادة قائمة «المنع» الجديدة التي أصدرتها وزارة الاقتصاد مؤخراً، حيث ضمت منتجات كثيرة لا حاجة لاستيرادها في هذا الوقت العصيب, ومع ذلك كان تؤمن استيراداً، وهذا غيض من فيض قوائم سلع لا تزال تستورد وتترك أثرها السلبي على المنتج المحلي وتحدث ثقباً جديداً في جسد اقتصادنا المتعب، ويدفع المواطن ضريبتها من جيبه ولقمة عيشه لصالح “ملوك” الاستيراد، الذين يصعب كسر خاطرهم مع إن خير مالهم لا يشمل سوى فئة قليلة تستفيد دوماً من هذا الخلل الذي يفترض سد ثغراته ومحاسبة من أسرف في هدر القطع الأجنبي نتيجة سياسة تمويل لم تكن رشيدة أبداً بعد إطلاقها العنان لأهل المال وجيوبهم الممتلئة في حين كانت الأحزمة تشتد على بطون المواطنين.
تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي يفرض السير بخطوات وازنة وفاعلة نحو مكافحة التهريب وتنظيم الاستيراد ودعم المنتج المحلي فعلياً في إطار تفعيل استراتيجية الاعتماد على الذات وتحقيق الاكتفاء الذاتي، على نحو يضمن كسر طوق حصار اقتصادي ظالم ويوقف سياسة تحويلنا إلى بلد مستورد، فخيرات بلدنا رغم ويلات الحرب وسوء إدارة مواردها وسرقة الدول المتآمرة المحاصيل الزراعية والنفطية كافية إن استثمرت بطرق مجدية ومثمرة وتحديداً في الأرياف المهملة للخلاص من طوابير الأزمات المتواصلة وكف يد المهربين وحيتان الاستيراد عن قوت المواطن وقطاعات اقتصادنا المنتجة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار