مهما حاول حكام البيت الأبيض تبرير انسحابهم من أفغانستان ومهما قيل أن الانسحاب متفق عليه بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، ودليلهم هذا التمدد السريع للحركة وسيطرتها على جميع أراضي أفغانستان في غضون أسابيع معدودة، نقول مهما يكن من أمر فإن ما جرى هو انسحاب مذل وسقوط مدوٍ للسياسة الأمريكية وأفول لهيمنتها بعد عشرين سنة من الاحتلال ومقتل آلاف من الجنود الأمريكيين وخسارة أكثر من 700 مليار دولار وتشريد ما يزيد على خمسة ملايين أفغاني.
وعندما يقارن الكثيرون بين انسحاب القوات الأمريكية المهين من فيتنام وبين انسحابها من أفغانستان فهذا صحيح إلى حد كبير رغم اعتراض وزير الخارجية الأمريكية السابق أنتوني بلينكن إخفاء للهزيمة التي لحقت بأمريكا وحلف “ناتو” وحلفائها الأوروبيين الذين لم يصحوا من وقع الصدمة حتى الآن وأخذ القلق منهم كل مأخذ إلى حد الهستيريا عند بعضهم خشية عودة أفغانستان ثانية إلى مركز للإرهاب العالمي الذي أنتج القاعدة وداعش وجميع التنظيمات الإرهابية الأخرى.
ولعل وجه الشبه الأكبر بين الانسحابين من فيتنام وأفغانستان هو تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن عملائها وحتى الذين حاربوا إلى جانبها وبعضهم عمل مترجماً للجيش الأمريكي طيلة عشرين سنة هؤلاء كلهم تركوا لمصيرهم بعد قرار الانسحاب وتم ركلهم وتركهم هائمين على وجوههم ينتظرون ماذا ستفعل بهم حركة طالبان في مشهد مماثل للعملاء الفيتناميين الذين تعلقوا بالمروحيات الأمريكية عند انسحابها فركلهم الجنود الأمريكيون بأحذيتهم ليسقطوا على الأرض التي خانوها.
بعد عشرين سنة عادت طالبان كما كانت، بل أقوى، فماذا استفادت واشنطن؟ وعن أي نصر يتحدث مسؤولو الإدارة الأمريكية في أفغانستان، اللهم إلا إذا كان لديهم خطة مبيتة لإعادة تدوير طالبان لتكون قنبلة موقوتة في وجه روسيا والصين وإيران تفجرها وقت تشاء لزعزعة الأمن والاستقرار وإشغال خصومها ونشر الفوضى في دول وسط آسيا وغربها.
ما أكثر العبر وما أقل المعتبرين من الدرس الأفغاني ولاسيما مليشيا “قسد “وأمثالها الذين ارتضوا أن يكونوا أدوات عميلة للمحتل الأمريكي الذين يناصرونه على ذويهم وأهلهم في الوطن، فالاحتلال لابد زائل عاجلاً أم أجلاً ومصير هؤلاء لن يكون أفضل من مصير العملاء الفيتناميين والعملاء الأفغان وكل العملاء عبر التاريخ.