بعدما انقسم مجتمعنا إلى طبقتين متباينتين، إحداها تحت خط الفقر بثلاثة وخمسين ميلاً، والثانية تعيش فوق ذاك الخط بأربع سنوات ضوئية، باتت هناك ظاهرة التفافية يقوم بها أرباب أسر الطبقة الأولى، بحيث يعيشون الكثير من الملذَّات المخصصة للطبقة الثانية، ويتنعَّمون بالعديد من الرفاهيات والطُّقوس المحصورة بالأثرياء وفاحشي الثراء، والأهم أنهم يفعلون كل ذلك من دون أن يدفعوا ولا حتى فلساً واحداً.
جارنا أبو ممدوح هو أحد الالتفافيين الأشاوس، إذ إنه وفي كل يوم عطلة، يطلب من زوجته وأولاده الأربعة أن يُجهِّزوا أنفسهم لمشوار عرمرمي في رخائه وامتيازاته وترفه، فترى أم ممدوح منشغلة بما تختاره من أزياء لهذه المناسبة الأسبوعية، وبتلبيس أبنائها وإظهارهم بأبهى حلة، وما إلى هنالك، حتى تكتمل صورة العائلة السعيدة في طريقها النعيم، وما إن تنتهي حتى ينزلوا جميعاً من الملحق الذي «يستوون» فيه، من فعل الاستواء بسبب الحرارة المرتفعة، ويستقلوا باص النقل الداخلي لأنه أشرح وأهوى، وما هي إلا دقائق قد لا تتجاوز العشرين دقيقة حتى يصلوا إلى وجهتهم، وهي واحد من أفخم «مولات» دمشق، هناك حيث لا تقنين للكهرباء، والمكان مكيَّف تكيفاً مركزياً يُفرْفِحْ القلب، وفيه حتى الحمامات «غير شكل»، وما إن يتنشق أفراد عائلة أبو ممدوح أولى النسمات الباردة حتى تُرَدّ لهم الروح، وما هي إلا بضعة أمتار من البوابة الرئيسة حتى يصبحوا داخل «السوبرماركت»، صحيح أنهم لن يشتروا شيئاً، مهما كانت العروض المُقدَّمة مغرية، لكنهم في طريقهم يلتقون بعدة طاولات صغيرة يُقدِّم فيها بعض الشبان والشابات كاسات كرتونية من الشاي السيلاني الفاخر كنوع من الدعاية، فيحتسي الجميع شاياً، وفي زاوية أخرى هناك فناجين للقهوة المُسخَّنة على الرمل، والعابقة برائحة الهيل، فيشربون ويتلذذون بالنكهة المميزة، وفي محلات العطور يستخدمون “التيسترات” المخصصة للتجريب لتعطير أنفسهم من أفخم الماركات، حتى إنهم يزورون متاجر الألبسة الفخمة، يختارون الموديلات المناسبة، ويدخلون غُرَف التبديل، ويخرجون بأجمل إطلالات ويلتقطون بعض الصور، طبعاً من دون أن يشتروا أي شيء، وهكذا يقضون كل عطلة في «مول» جديد، حتى إن أبا ممدوح أطلق على مشوارهم الأسبوعي “سيران بالمجان”، داعياً في قلبه على أذناب الرأسمالية الجائرة.