نخر إسرائيلي جديد

منذ الإعلان عن قيامه، سعى كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى مد جسوره باتجاه القارة الإفريقية، كان ذلك المسعى يهدف إلى أمرين اثنين، أولاهما  محاولة عزل الدول العربية الإفريقية، التي تحتل شريطاً ساحلياً يمتد من مصر إلى المغرب، عن عمق قارتهم خصوصاً بعد أن حط مركز ثقل القارة رحاله في القاهرة إبان المرحلة الناصرية 1954- 1970، وثانيهما هو أن أي اختراق يمكن أن تسجله “إسرائيل” في عمق القارة الإفريقية سيكون نوعاً من كسر العزلة الجيوسياسية التي”تعيش” فيها وسط محيط عربي معاد لها.

لم يستطع الجهد الإسرائيلي الحثيث على مدى عقد ونصف تحقيق اختراقات وازنة في القارة السمراء، والشاهد هو أنها -أي تلك الاختراقات في تلك المرحلة- ظلت هامشية، وما جرى هو أن حرب حزيران 1967، التي كشفت طبيعة الكيان الاستعمارية الساعي للتمدد، كانت قد عصفت بهذا الهامشي فقلصته إلى حدود كبيرة، حتى إذا جاءت حرب تشرين 1973 أصدرت منظمة الوحدة الإفريقية قراراً ملزماً لجميع أعضائها بقطع علاقاتها مع “إسرائيل”.

نقطة التحول في هذا السياق السابق كان في توقيع القاهرة لمعاهدتي كامب ديفيد الأولى والثانية العامين 1978 و 1979 على التوالي، حيث تجددت معهما الآمال الإسرائيلية بحدوث خروقات وازنة، والفعل سوف تزداد حظوظه ما بعد توقيع اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وكيان الاحتلال عام 1993، حيث حصل الأخير بعده على صفة عضو مراقب في منظمة الوحدة الإفريقية، لكن عندما جرى حل هذه الأخيرة العام 2002 واستبدالها بـ” الإتحاد الإفريقي” انتزع من الكيان تلك الصفة عبر موقف عربي قاد إلى تلك النتيجة.

يوم الخميس 22 تموز المنصرم أعلن مسؤولون إسرائيليون عن منح “إسرائيل” صفة عضو مراقب في الإتحاد الإفريقي، وأن السفير الإسرائيلي لدى إثيوبيا قدم أوراق اعتماده إلى مفوضية الاتحاد في أديس أبابا، والفعل، من وحي النتيجة، يعتبر نخراً إسرائيلياً في الجسد الإفريقي، أما تداعياته الكبرى فهي ستصيب، بلا شك، الأمن الإقليمي العربي في الصميم، وكذلك ستصيب القضية الفلسطينية بأضرار يصعب حصرها، فصفة المراقب سوف تمكن الاحتلال من الدخول في المناقشات وتقديم المقترحات بل والاعتراض على الأفكار المطروحة وفقاً لبنود النظام الداخلي التي أقرها الاتحاد الإفريقي إبان الإعلان عن قيامه العام 2002.

من المؤكد الآن أن هذا النخر يمثل انعكاساً مباشراً لحال التشرذم الذي تعيشه المنطقة العربية بشقيها الآسيوي والإفريقي، والذي أفضى إلى حال قصوى من الوهن العربي، لم تعد دول الجوار معها أن تقيم كثير اعتبار لمصالحها القائمة مع العرب، لنراها تتجه أكثر إلى محاباة خصومهم الذين يدركون أنهم “عورة تاريخية” و”سرطان جغرافي” لن يطول بهما أمد البقاء، لكن تلك هي طبائع القوى والدول التي تبحث عن مصالحها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار