يبدو أن الرئيس الأمريكي بايدن يريد أن يقطع الطريق أمام النواب الجمهوريين والديمقراطيين الذين يلومونه على الانسحاب من أفغانستان بقوله إنه ليس نادماً على سحب قواته من هناك فيما تعزز موقفه المتحدثة باسم البيت الأبيض بالقول: إن القوات الأفغانية قادرة على مواجهة طالبان لأنه تملك العتاد والعدد اللازم لمواجهة الكارثة الإرهابية التي يعانيها الشعب الأفغاني.
لكن الوقائع على الأرض تثبت أن حركة (طالبان) تسيطر على المزيد من المقاطعات وعواصمها غير آبهة بقصف طائرات الـ بي 52 التي لا يستطيع غبار صواريخها أن يغير كفة الميزان مع تصاعد المخاوف بأن تكمل (طالبان) السيطرة على كامل أفغانستان وتحول البلاد إلى مستنقع لتجميع الإرهابيين من مختلف انتماءاتهم ومشاربهم.
إن الرئيس الأمريكي يدرك تماماً أن انسحاب قواته يحقق ما تريده أمريكا وهو أن تبقى النار مشتعلة في أفغانستان لتأكل أنصاره وأعداءه وتهدد بلهيبها دول الجوار (روسيا والصين وإيران) وبقية الدول وتجعل تلك الدول في مواجهة الإرهاب من جديد..
إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة حريصة كل الحرص على وجود بؤر التوتر واستمرار تأزمها لأن ذلك بحسب ما تفكر يضعف الكيانات المحلية ويعزز دور (العدو الحيوي) الذي يحافظ على التوازن على بحر من الدماء وعلى مآس لا تنتهي..
إن إدارة بايدن ليست نادمة على الانسحاب كما كانت إدارة بوش الابن ليست نادمة على غزو أفغانستان على الرغم من أن غزو أفغانستان وغزو العراق ودخول القوات الأمريكية إلى بعض مناطق سورية لسرقة خيرات الشعب السوري هي أمور تدعو للخجل لمن لم (يطق شرش الحياء في وجهه).
إن المشكلة الأساسية التي تعاني منها دول العالم وشعوبها ليس إرهاب (القاعدة) و(داعش) و(طالبان) و(النصرة) فقط وإنما في هذا الصلف الأمريكي الذي يصر على الأخطاء ولا يعلن ندمه حتى بعد خراب (البصرة وكابول) وبالتالي فإن تكاتف الدول المتضررة من تلك السياسات الأمريكية المتهورة بات ضرورة حتمية للتخفيف من الأخطار الكارثية (للتدخلات والانسحابات الأمريكية) التي لا تجلب إلا المزيد من الإرهاب والفقر والمزيد من الخراب والنزوح وستبقى الأمور في أخطار متصاعدة حتى تقتنع أمريكا أن قوتها لا تتحقق بإضعاف الآخرين وإشغالهم بحروب لا طائل منها.