بوش.. و«دموع التماسيح»
«أنا حزين، أنا متألم، إنه أمر يفطر القلب، قرار الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن بالانسحاب من أفغانستان، الذي ستنتج عنه آثار مدمّرة على المجتمع الأفغاني، خصوصاً النساء والفتيات اللاتي سيعشن من جديد تحت نظام (طالبان) الوحشي».. هذه بعض من كلمات وجمل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن.. كلام باطل يراد به باطل.. وأقل ما يُقال عن دموع بوش الابن إنها دموع التماسيح.. أين هذه الدموع من محاصرة العراق التي بدأت منذ العام 1990 واستمرت 13 عاماً وما ترافق معها من حرمان من الغذاء والدواء.. فضلاً عن منع كل وسائل التقدم والتكنولوجيا، حتى البسيطة منها وجعل أغلبية الشعب العراقي بين شهيد وجريح ومفقود ونازح ولاجئ في بقاع العالم.. وكذلك أدى إلى وفاة أكثر من مليوني طفل عراقي نتيجة نقص الحليب والدواء وفقدان الطعوم.. وكل هذا ولم يشفِ غليل وغطرسة بوش الذي يدّعي الحزن على الأفغان زوراً وبهتاناً.
بل هو من أمر جيوشه الجرّارة وحشد معظم دول الغرب معه لغزو العراق 2003 ودمّر الجيش العراقي ومؤسسات الدولة العراقية ومحا البنية التحتية وأرجع العراق قروناً إلى الوراء.. فضلاً عن ممارسة الضغط على كل الدول التي تتعاطف مع العراق لعزله أكثر سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً.. وقد أعلنت واشنطن أكثر من مرة كاذبة أنها ستنسحب من العراق، وكان أولها بالعام 2011 لكنها أخلفت وعادت عبر ما يسمى التحالف ضد «داعش» في العام 2014 لتبقى أمريكا في العراق.. كل هذا ولم تذرف دمعة من بوش الذي تجنى على العراق بأكاذيب واهية لا أساس لها من الصحة.
بل أين بوش من الإدارات الأمريكية المتعاقبة من افتعال أزمات وحروب وكوارث في كل أصقاع المعمورة مثل ما يسمى الثورة «الوردية» في جورجيا و«البرتقالية» في أوكرانيا و«التوليب» في قرغيزيا و«الزعفران» في بورما و«القرمزية» في التيبت، وآخرها ولن تكون الأخيرة ما يسمى «الربيع العربي» في الوطن العربي.. كل هذا ولم يرف جفن بوش الذي ذهب بعيدا وادعى ادعاءات دينية باطلة.
بل أين دموع السيد بوش وأمثاله من الأمريكيين من حشد أكثر من 180 دولة بالحرب على سورية، هذه الحرب الكونية المستمرة منذ العام 2011 على دولة ذات سيادة استعملت الدول المعتدية كل أنواع الأسلحة التقليدية والمحرمة دولياً مدعومة بآلة إعلامية جهنمية عبر الحرب الناعمة وجلبت الإرهابيين من كل حدب وصوب إلى الجغرافيا السورية وتركت لهم الحبل على الغارب للنهب والحرق والقتل والخطف والسرقة والاغتصاب تحت راية “الحرية” الكاذبة الزائفة.. وشكلت غرف عمليات عسكرية مشتركة.. ودمرت كل شيء.. على مدار عشر عجاف ؟ كل هذا ولم ترتوِ الإدارات الأمريكية المتعاقبة.. بل بعد أن فشلت فصائلها الإرهابية من «داعش» و«النصرة» وما تفرخ عنهما من أسماء إسلاموية من تحقيق الهدف المنشود لإسقاط الدولة السورية، ما كان منها سوى إقامة قواعد عسكرية على الحدود السورية- الأردنية والسورية- العراقية، ولم ترتوِ فكان الاحتلال المباشر للجزيرة السورية التي تشكل سلة سورية من الغذاء والمياه والسدود والكهرباء والغاز والنفط وقطعان الماشية، ناهيك عن الخضروات وغيرها.. بل راحت تسرق القمح والنفط وتهربه خارج الحدود السورية وتحرم السوريين من رغيف خبزهم في رابعة النهار.
كل هذا ولم تكتف الإدارة الأمريكية التي هي عضو أصيل في مجلس الأمن وتتمتع بحق “الفيتو”.. فراحت تغذي وتدعم مليشيا «قسد» الانفصالية لإطالة عمر بقائها في الجزيرة السورية أكثر.. ومع هذا لم ترتوِ فما كان منها تحت شماعة “حماية المواطنين السوريين” الكاذبة إلا فرض ما يسمى «قانون قيصر» المسلط على السوريين ومن يفكّر بالتعاون أو التعامل أو حتى التعاطف معهم، الأمر الذي حرمهم غذاءهم ودواءهم وكل وسائل التكنولوجيا كما فعلت إدارة بوش في العراق منذ العام 1990 وحتى 2003.
كل هذا نفذ بحق السوريين ولم يذرف بوش وأمثاله في الإدارات الأمريكية ولو دمعة واحدة ولم ينطق بكلمة حق واحدة.
أمريكا أعلنت انسحابها من أفغانستان بعد 20 عاماً وأعلنت منذ أيام أنها سوف تنسحب من العراق.. ويبقى المستشارون.. وهذه شماعة أخرى على مبدأ «مسمار جحا».
ولكن هذا هو الاستعمار وإن بدّل وجهه وجلده وتكتيكه.. وما يفعله بايدن اليوم فعله كثيرون قبله من قادة الاستعمار القديم ،عبر أساليب وأنماط استعمارية تبقي البلدان المستعمرة مربوطة بالمستعمر، لكن صحوة الشعوب لم ولن تتأخر والثابت سوف يأتي وتنسحب أمريكا مرغمة كما انسحبت ليلاً من فيتنام ولكنها لم تتعلم من حربها تلك.
وسوف يأتي اليوم وليس ببعيد وتنسحب أيضاً من الجزيرة السورية ومن قواعدها غير الشرعية كما انسحبت من فيتنام تجرّ ذيول الهزيمة والخيبة وهذه سنّة التاريخ والجغرافيا، وهذا حتمي.. ولكن السؤال: هل تعي مليشيا «قسد» ذلك وهي اليوم تفعل ما تفعل بأبناء جلدتها في محافظة الحسكة عبر التنكيل والقتل والمضايقة وقطع المياه والتهجير وتغيير الديموغرافيا وحرق المحاصيل للنيل من إرادة وصمود السوريين الذين أبوا إلا أن يكونوا مع شعبهم وجيشهم وقائدهم.. فهل يتعلمون ويتعظون من دروس التاريخ والجغرافيا أن أمريكا سوف تنسحب وتتخلى عنهم وأمهات الكتب مليئة بالشواهد؟.