هل تجاوزت “إسرائيل” الخطوط الحمراء؟
قد يكون كيان الاحتلال الإسرائيلي هو الكيان الوحيد، على امتداد هذا العالم، الذي يحتاج كل يوم للقيام بفعل، أياً يكن نوعه، لتثبيت مواقعه في أرض يدرك أن بقاءه فيها مؤقت أو تحكمه حالة احتياج زائلة، بل قد يقتصر الأمر أحياناً على القيام بفعل لا تتعدى مراميه “لفت النظر” للتذكير بأنه موجود أقله بفعل سلطة الأمر الواقع التي لا تزال تخوله، بدعم غربي مطلق، مد ذراع هنا، أو تنفيذ اعتداء هناك.
تنبع السلوكيات سابقة الذكر من طغيان هاجس الأمن الملحوظ في أداء صانع القرار الإسرائيلي على أي هواجس أخرى، والمؤكد أن ذلك الفعل الذي قاد نحو عسكرة “المجتمع” بدرجة بات فيها الكيان يقوم على جيش هو الذي ابتنى “مجتمعاً” من حوله، وليس العكس كما هو حاصل في باقي بلدان العالم، نقول المؤكد إن ذلك الفعل غالباً ما يرمي بحمولات ضاغطة على الأعصاب، وهي تبين من حين لآخر من بين الشقوق بفعل فاعل أحياناً وبفعل الصدفة في أحايين أخرى، ولربما يصح اعتبار ذلك تفسيراً منطقياً للعديد من القرارات، أو السلوكيات، التي تمارسها تل أبيب بما فيها الموجهة نحو أقرب الحلفاء، ففي العام 1986 -مثلاً- جرى اعتقال “جوناثان بولارد” الأمريكي، الذي كان يحمل الجنسية الإسرائيلية أيضاً، في واشنطن بتهمة التجسس لصالح تل أبيب، ما أثار في حينها أزمة سياسية مع واشنطن كان أهم ما فيها أنها أرخت بظلالها التي امتدت لوقت ليس بالقصير على “أقانيم الثقة” القائمة الملحوظة بين الطرفين بما تقتضيه حالة التحالف الاستثنائية.
بانكشاف فضيحة التجسس الإسرائيلي على الغرب والتي طالت هواتف رؤساء حكومات غربية، تكون تل أبيب قد تجاوزت خطاً أحمر سواء أعلنت تلك الحكومات عنه أم لم تعلن، فالمعلومات التي يتيحها هكذا فعل يمكن القائم به من حياكة شتى الدسائس فيما بين الدول، قد تفضي للإطاحة بتلك الحكومات، وصولاً إلى إمكان زعزعة الاستقرار في البلدان المستهدفة، وعليه فإن من الصعب تخيل أن تبقى ردود الفعل الغربية في حدودها التي ظهرت عليها، والتي انحصرت في الحدود الشعبية لا تتعداها، ومن الراجح أن ردود الأفعال الرسمية، التي جاءت هزيلة على قرصنة كبرى، تلحظ أولاً وجوب حصر الأضرار الناجمة عن الفعل، واتخاذ الإجراءات التي يمكن لها أن تجعل منها في حدودها الدنيا، ثم إنه من غير المتوقع أن تذهب تلك الردود إلى اتخاذ طابع الضجيج الذي غالباً لا ينم عن وجود توجهات يمكن أن تعيد “الثعلب إلى وكره”، وإنما ستذهب إلى اتخاذ إجراءات من النوع طويل الأمد تلك التي من شأنها أن تضع العلاقة في مدارات جديدة.
شيء ما في السلوك الإسرائيلي يوحي، جنباً إلى جنب انعدام الثقة، بأن تل أبيب باتت تلمس بوضوح تناقص أهمية الكيان الذي تحرسه، والذي قام أصلاً على دور وظيفي محدد لم يلبث مؤخراً، وتحديداً منذ حرب تموز 2006، أن عانى كسلاً في القيام بالمهام التي كانت إحدى مبررات ذلك القيام، وتناقص الأهمية هنا قد يؤدي إلى خلل بنيوي يمكن له، إذا ما تنامت ظروف نضوجه، أن يدفع نحو تحولات داخلية لا تحمد عقباها، إذ لطالما كان التوهج والتصفيق دلالتين بارزتين في مسار السعي الذي يطيل أمد البقاء.