تأبين الأصدقاء
تزداد مدينة حمص خواءً كلما رحل مبدع منها، فكيف إذا ما كان الرحيل يأتي أشبه بالجملة.. فخلال عام تقريباً رحل أكثر من عشرة مبدعين في حقول عدة تشكيلية وأدبية ودرامية ومنشطين للفعل الثقافي.. وما يجعل رحيلهم مفجعاً هو أن الأسماء الإبداعية الأكثر فتوة عمرياً من الأجيال اللاحقة للذين رحلوا، قد اضطرتهم ظروف الحرب على سورية للهجرة، ولذلك يكاد المشهد رغم وجود كل هذا الصخب الثقافي، في أغلبه غير منتج على نحو نوعي يستمر كإرث، كما هو نتاج الجيل الذي رحل.
ففي عام تقريباً رحل الشاعر والمترجم د. شاكر مطلق في أيار العام المنصرم، ورحل الشاعر د. علي الجراش في نيسان المنصرم، وبينهما رحل أيضاً الباحث والمسرحي محمد بري العواني، والباحث محمد راتب الحلاق، والعلاّمة اللغوي د.عبد الإله نبهان، وأيضاً العلاّمة اللغوي د.غازي مختار طليمات، والشاعر محمد الفهد، وهؤلاء أعضاء في اتحاد الكتّاب العرب، ولم يتم تأبينهم بسبب الإجراءات الصحية المتبعة ضد انتشار فيروس كورونا، لكن الرئيس الجديد لاتحاد الكتّاب د. محمد الحوراني أراده حفل تأبين جماعياً لهم، ولم يرض دون القيام بهذا الواجب تجاه مدينة حمص ومبدعيها. وإن كان تأبين الأصدقاء صعباً ومربكاً للمشاعر وينهض فينا كل الذكريات بألوانها كلها، إلاّ أن تعاون الأصدقاء مع الأديبة أميمة إبراهيم- رئيسة فرع الاتحاد في حمص جعل الأمر يتحول من تأبين إلى احتفاء بذكرى المحبة للأدباء والباحثين الراحلين، فقد شارك الأصدقاء: الشاعر عبد النبي التلاوي، والباحث عطية مسوح، والممثل المسرحي تمام العواني، والشاعر مظهر الحجي، والباحث د. عبد الرحمن البيطار، والشاعرة لينا حمدان، والقاص عيسى إسماعيل بكلمات وقصائد سلطت الضوء على مشاعر الفقد والحب لمن فقدنا، وأضاءت بعضاً من مشاريعهم الإبداعية، وكنّا حسبنا أننا وحدنا في إضاءة هذا المشهد من الوفاء للراحلين لكن د. محمد الحوراني وعضوي المكتب التنفيذي للاتحاد القاص رياض طبرة والشاعر منير خلف، الذين جاؤوا ليشاركونا ليس أحزاننا على من فقدنا فقط، بل إنارة ذكرى رحيلهم والتذكير بإبداعاتهم، معتبرين أنفسهم من أبناء حمص، فجاءت مشاركتهم تقول: لستم وحدكم فنحن معكم دائماً لنحيي ذكرى الراحلين بكلمات تنبض من وهج أحاسيس مشتركة بيننا تليق بمن افتقدنا، وتَعِدُ بندوات نقدية تضيء إبداعاتهم، وخطوة لطبع مخطوط إن وجد، لكل راحل، تلاقت مع فكرة سبق أن طرحناها في هذه الزاوية بعنوان (كُتب الراحلين)، لتكون تكريماً بهياً لهم.