أن تكون أباً ليس بالأمر الهَيِّن، إذ عليك أن تكون مُنضبِطاً، بينما الكل «فلتان» عليك كـ«الأباوة»، ومتوازناً على الليبرة، في حين أن الأرض شديدة الميلان، وزَلِقَة، ولا مكان مستوٍ فيها لتضع عليه قدميك، ومع ذلك تصرخ مع «ممدوح عدوان» «طوبى لمن أتقن أن يتوازن في المشي وكان العالم مقلوباً».
كما ينبغي أن تكون عتالاً بقوة 200 حصان، مع أن أفضل تبديل زيت حصلت عليه لمفاصلك كان من خلال أكلة مجدرة، على أساس أن البرغل فيها هو مسامير الرُّكَب، والعدس مليء بالزنك و«الضنكيزيوم» ورجاءً لا أحد يسألني عن هذا الأخير.
وعليك أن تكون صَمَّام أمان، وأنت تكاد تنفجر في كل دقيقة آلاف المرات، على الأفران، وفي انتظار سيرفيس، ولو موديل سنة النكسة، إلى جانب إدمانك على تطبيق “وين” لتراقب سُكَّراتِكَ وأَرُزَّاتك المصونين، وجرة غازك ، ومثلها حصتك من المازوت.
ومن الجميل أن تكون مِثالاً يُحتذى، رغم أن الجميع يُمثِّل فيك على الطالعة والنازلة، كما أنه من الضروري أن تمتلك مهارات مُحاسبٍ لا يُشق له غبار، وفوقها يتحلى بالنزاهة الأخلاقية، والضمير الصاحي، والذكاء الحصيف، والوجدان العالي، لتحقق المعادلة الصعبة في أيهما أهم طابة البوظة أم بيضة الفطور؟ كيس الشيبس أم صحن اللبنة؟ الـ«شطّو مطّو» أم أرز الغداء؟ لكنك في كل الحالات ستجد أن حساباتك كلها «فراطة»، ولا شيء «ظابط» فيها مهما حاولت.
وعليك أن تكون مُرَبِّياً فاضلاً، وأنت مُدرِك لِكَمِّ البذاءة وقلة الحياء في كل ما يحيط بك، فتعزِّي نفسك بأن «جان جاك روسو» وضع ست نظريات في التربية، ولم يستطع أن يطبق أياً منها على أبنائه.
ومن واجبك أن تكون سَنَداً، في وقت لا شيء يسندك سوى ذراعك المتعبة، وبقايا أعصاب ارتخت من كثرة الشد، وحنين لأيامٍ لم تكن فيها قادراً بعد على استيعاب مقولة إميل سيوران «لو يعلم أولئك الأولاد الذين لم أنجبهم كم هم مدينون لي بالسعادة»، وغير ذلك الكثير، مما يجعلك تقول «فعلاً، ما أصعب أن تكون أباً!»، وفي مقالة لاحقة سأشرح – لمن يحب- «ما أصعب أن تكون زوجاً!»، ودمتم.