ندوب كبيرةُ تركتها سنوات الحرب على سورية على اليد العاملة باستنزافها المهول، جعلت مؤسسات القطاع العام والخاص تشكو قلتها وتحديداً عقب هجرة مدروسة لدول معادية عمدت إلى جذب الكفاءات وتقديم كل المغريات للظفر بخبراتها ولاسيما في المجال الصناعي والحرفي وحرمان البلاد منها في مرحلة إعادة الإعمار، علماً أن الدولة صرفت مليارات الليرات على تأهيلها وتدريبها لتأتي دول على «البارد المستريح» مستغلة الظروف الصعبة الحالية لتحقيق غايتها، تاركة شرخاً كبيراً يصعب تدارك عقباه في وقت قريب في ظل النزف الخطير في المال والبشر.
الوقوف مكتوفي الأيدي والارتكاز إلى مقولة بلدنا فتية ولّادة كفاءات جديدة في حلّ هذه الإشكالية العويصة ليس خياراً موفقاً وإن كان ذلك حقيقة نافعة على المدى البعيد، لكن في ظل الحاجة الماسة إلى يد عاملة شابة وخبيرة لإنقاذ اقتصادنا من ورطته والانطلاق نحو إعادة الإعمار بثقة يستلزم وضع خطة مضمونة النتائج لترميم النقص الحاصل في الكوادر البشرية، ما يتطلب أولاً تعديل سلم الرواتب والأجور حسب الكفاءات والخبرة مع تعديل طبيعة الحوافز والمكافآت حسب الجهد المثمر وليس وفقاً للمحسوبيات والواسطات، و تركيز الاهتمام على التعليم المهني والفني عبر منح ميزات ودعم وازن يشجع الجيل الشاب على دراسته، أقله معاملة طلابه أسوة بطلاب كليات الهندسة وغيرها من المجالات التعليمية المرغوبة دراسياً ووظيفياً، ليبقى الأهم تفعيل مشروع الإصلاح الإداري جدياً عبر إعطاء الكفاءات الشابة فرصتها في العمل وإثبات قدراتها ومهاراتها وليس استنزافها على كل الصعد «لغايات في نفس يعقوب».
خطة ترميم واستعادة الكفاءات البشرية في الداخل والخارج للمساهمة بإعادة إعمار البلاد واقتصادها، تعد مسؤولية جماعية تقع على عاتق القطاع العام والخاص، الذي بدأ ببعض الخطوات الجيدة في هذا الإطار عبر إطلاق مشروع «الصناعي الصغير»، في مدينة حلب، وإن كان يستلزم منحه ضخاً وزخماً أكبر لتحقيق غايته المرجوة وذلك بإيجاد صناعيين شباب قادرين على النهوض بواقع العاصمة الاقتصادية صناعياً واقتصادياً في المرحلة القادمة، وهو ما يفرض في المقابل التفكير بإعادة إحياء مشروع «التلمذة» الصناعي الذي أطلق قبل سنوات الحرب على سورية وتأمين كل مستلزمات إنجاحه من دون الوقوع في المطبات ذاتها بهدف إعداد جيل صناعي قادر على إصلاح وإعمار القطاع الصناعي بخبرات محلية وكفاءات ذاتية، نمتلك منها الكثير لكنها تحتاج فقط إلى يدٍ حنون تحتضنها وترعاها بعيداً عن أسلوب «التطفيش» وطرق العمل الطاردة للكفاءات والخبرات لصالح ذوي المؤهلات المحدودة والفاسدين.