دمار كبير ما زال يطبع مدينة حلب القديمة، التي بدأت الحركة التجارية تدبّ في عروقها التراثية بعد إطلاق مسار إعادة الإعمار وترميم أسواقها، فاليوم ورشات الترميم لا تهدأ بغية إنجاز تأهيل أسواقها على مراحل متعاقبة بهدف وضعها في الخدمة من جديد وتحريك «رجل» المواطنين من الريف والمدينة معاً للتسوق في أرجائها كالأيام الغاربة، لكن اليوم للأسف ورغم عودة عدد من الأسواق المهمة فإن النشاط التجاري بقي محدوداً ودون المأمول مع وجود بصيص أمل بإحيائها اجتماعياً وتجارياً.
عقبات عديدة تعترض عملية إعادة إعمار مدينة حلب القديمة بالسرعة المطلوبة وأبرزها نقص التمويل اللازم، حيث يحتاج ترميم أسواقها التجارية إلى مليارات الليرات قد لا تتوافر حالياً في ظل نقص الإمكانات، ويزيد الطين بلّة تشديد الضغوط على صناعة حلب، التي إن دُعمت بالشكل المطلوب سيبادر سكان المدينة من أهل المال والخير إلى إعمار مدينتهم القديمة من «كيسهم»، فمن المعلوم أن مناطق متضررة كثيرة جراء الحرب على سورية رممها أهلها الموسومون بقدرتهم على الإنتاج وصنع الحياة من رحم الموت من «حر» مالهم، لكن يبدو أن الرياح تجري بما لا يشتهي الأهالي والجهات الراغبة بإنجاز خطة ترميم هذه المدينة الاستراتيجية في وقت قصير وليس انتظار سنوات لتحقيق هذه الغاية، التي تنطوي على أهمية كبيرة لكونها تساهم بعودة الحركة التجارية إلى العاصمة الاقتصادية، باعتبار أن المدينة القديمة تشكل قلبها الحي وشريانها الرئيس.
واليوم لأول مرة تعد وثيقة لإحياء وترميم مدينة حلب القديمة وأسواقها ووضع استراتيجية للتنفيذ بالتعاون مع جميع الشركاء والمختصين والمهتمين والأهم مشاركة أهالي حلب في عملية الإنجاز المأمولة، التي هي مسؤولية جماعية وليست حكراً على جهات بعينها، فالكل مُطالب بالمشاركة بمن فيهم المواطن، الذي تعدّ زيارته إلى المدينة القديمة وأسواقها مساهمة جيدة تنشط الحركة التجارية، وبالمقابل يتطلب ذلك من المعنيين اتخاذ إجراءات إضافية لا تقلّ أهمية عن عمليات الترميم كتأمين وسائل نقل لأهالي الريف الراغبين بزيارة هذه الأسواق الشهيرة، التي كانت تعتمد في حركتها التجارية عليهم سابقاً، مع العمل بالوقت ذاته على تشجيع تجارها على فتح محالهم عبر تسهيلات معينة بهدف تسريع عودة النشاط التجاري إلى سابق عهده، فالعاصمة الاقتصادية بصناعتها ومدينتها القديمة وأسواقها تستحق عين رعاية خاصة حتى تقدر على رعايتنا والنهوض بحال اقتصادنا، فهي إن كانت بخير كنا وكان الاقتصاد المحلي بخير، لأن استمرار إشاحة النظر عن هذه الحقيقة سيزيد «بلاوينا» المعيشية وحصار أنفسنا ذاتياً بدل كسر حصار عقوبات «قيصر» اللعينة بإمكانات صناعتنا وأرضنا الخيرة؟!
rihabalebrahim@yahoo.com