نفاقٌ سياسيّ
تشدّد الولايات المتحدة بين الفينة والأخرى الإجراءات القسرية أحادية الجانب غير الشرعية عبر ما يسمى «قانون قيصر» المسلّط على رقاب السوريين ، وذلك للمضي في معاقبتهم على وفائهم لوطنهم وجيشهم وقائدهم.
وتطالب بكل وقاحة وصلف خلال جلسة مجلس الأمن بإعادة فتح معابر لإيصال ما يسمى “المساعدات الإنسانية” عبر الحدود ، إلى مناطق سورية تقع تحت سيطرة المجموعات الإرهابية المصنفة- بقرار مجلس الأمن- إرهابيةً، وتلقى كل الدعم والحماية والرعاية من أمريكا وأطراف إقليمية ودولية .
مَنْ تريد واشنطن بهذا الموقف أن تخدع بحججها الباطلة ؟! أليس الأمريكيون، و الأمم المتحدة، مجلس الأمن، وحلفاؤها في «ناتو» ،والكيان الصهيوني،و النظام التركي و بعض العربان شركاء في سفك الدم السوري منذ عشر سنوات عجاف مقحلات مجدبات أهلكت الحرث والنسل والزرع والضرع، وحوّلت الجنان إلى عروش خاوية..؟!.
بعد كل هذا لم ترتوِ واشنطن ، فهي مستمرة بإرهابها الاقتصادي الأشد وطأة، وهو الأكثر شراسة وخطورة وإيلاماً من الإرهاب العسكري.. وبعد كل هذا وذاك.. تدّعي الدول الغربية “الإنسانيةَ والرحمةَ والخوف والحرص” على السوريين زوراً وبهتاناً.. وأقل ما يُقال والحالة هذه إن ذلك مراوغة وخداع ونفاق ينطبق عليها قول الشاعر صالح عبد القدوس:
لا خيرَ في ودِّ امرئ متملقٍ حلو اللسان وقلبه يتلهب
يلقاك يحلف أنه بك واثقٌ وإذا توارى عنك فهو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوةً ويروغ منك كما يروغ الثعلب
والحال ، فواشنطن إن تحدثت كذبت، وإذا ائتمنت خانت، وإذا وعدت أخلفت..
وعليه إذا كانت واشنطن صادقة؛ وهذا مستبعد ، وإذا كانت جادة- وهو مستبعد أيضاً – في تحسين الوضع الإنساني للسوريين، كما تدّعي، فإن هذا يتطلب الرفع الفوري للإجراءات القسرية الظالمة و الأحادية المفروضة على الشعب السوري ، ووقف نهب مواردهم وثرواتهم الوطنية ، و دعم جهود الدولة السورية في تأهيل البنى المتضررة لتيسير العودة الآمنة والكريمة والطوعية للنازحين واللاجئين السوريين «لا منعهم من العودة».. ودعم جهود سورية في مكافحة الإرهاب والقضاء على التهديد الذي يمثله تنظيما «داعش» و«جبهة النصرة» المصنفان إرهابيين ويعملان بإمرتها.. وإنهاء الاحتلال الأمريكي والتركي للأراضي السورية، بدءاً من «التنف» مروراً بكامل الجزيرة السورية وصولاً إلى الشمال السوري.. كل هذا كفيل بتحسين الوضع الإنساني و تحقيق العيش الكريم و الاكتفاء الذاتي الذي كانت تتميز به سورية.
الثابت والمؤكد أن الدول الغربية والنظام التركي والكيان الصهيوني جلّ ما يريدون هو تسييس ما يسمى “المساعدات الإنسانية” للتغطية على دعمهم للارهاب وإيصال الدعم للإرهابيين ومنهم «جبهة النصرة» التي تسيطر على إدلب وما حولها.
إن ما تدّعيه الدول الغربية من “حرص إنساني” على حياة السوريين كاذب ويتناقض مع استمرار إجراءاتها القسرية الأحادية المدمرة التي تتسبب بمعاناة إنسانية في سورية من جراء النقص الشديد في الغذاء والدواء والمعدات والمياه والخدمات، وكل شيء.
لو كانت واشنطن والغرب حريصين فعلاً على السوريين وكرامتهم لأنهوا احتلال الجزيرة السورية و«التنف»، وأزالوا القواعد العسكرية الأخرى في الجغرافيا السورية، ووضعوا حداً لعمليات السلب والنهب التي تحرم السوريين من ثرواتهم النفطية والغازية ومحاصيلهم الزراعية.. وآخرها نهب إرثهم الثقافي «الآثار».
ولو كان مجلس الأمن هو الآخر حريصاً على حياة وحقوق السوريين ، كما يدّعي بعض أعضائه ، لفرض عقوبات على النظام التركي أو أصدر بياناً أدان فيه ما يرتكبه في شمال شرق سورية ولاسيما استخدام المياه سلاح حرب بقطع المياه عن محطة علوك للمرة /25/ حتى الآن، ما يحرم زهاء مليون سوري في محافظة الحسكة من مياه الشرب.. وأدان أيضاً على الأقل- وذلك أضعف الإيمان- تخفيض أنقرة لجريان نهر الفرات إلى حدّ القطع نهائياً، الأمر الذي أدى إلى توقف مجموعات توليد الكهرباء في سدي الفرات وتشرين وحرمان السوريين من مياه الشرب ومياه الري للزراعة.
ناهيك عن جرائم «التتريك» حيث يستمر نظام أردوغان بدعم التنظيمات الإرهابية في سورية وتتريك المناطق التي يحتلها في شمال وشمال غرب سورية ، في محاولة لطمس الهوية الوطنية السورية من خلال تغيير الطابع الديموغرافي و الإداري، والاستيلاء على الأراضي وإقامة جدار فاصل عليها، وتغيير أسماء الطرق والساحات العامة وإطلاق أسماء تركية وعثمانية.
كما يقوم أردوغان ونظامه بتتريك المناهج الدراسية في المناطق التي يحتلها شمال وشمال غرب سورية، وتشغيل شركات اتصالات تركية، وربط شبكات نقل الطاقة الكهربائية بالشبكة التركية، وفرض التعامل بالليرة التركية، فضلاً عن منعه عمل الهلال الأحمر العربي السوري والاستعاضة عنه بالهلال الأحمر التركي، وصولاً إلى حرمان أكثر من 3000 طالب مؤخراً من أبناء محافظة إدلب من الخروج عبر ممر «ترنبة» الإنساني لتقديم امتحاناتهم الإعدادية والثانوية، أيضاً لو كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن جادين في مساعيهم و صادقين في توجهاتهم لأدانوا ميليشيا «قسد» لإعاقتها حملة التطعيم ضد «كورونا» التي تقوم بها الفرق التابعة لوزارة الصحة السورية في محافظة دير الزور، بل ومنع فرق التطعيم الجوالة من دخول المخيمات في محافظة الحسكة.
لم يبقَ في الختام إلا القول: السوريون خبروا جيداً مآرب الغرب الذي يمارس النفاق السياسي في أعلى درجاته، ويعرفون أيضاً أن هذا الغرب لا يريد من منبر مجلس الأمن سوى “شرعنة” إدخال السلاح والعتاد والغذاء والدواء لإرهابييه في إدلب، و”المنظمات” التي تعمل تحت يافطات إنسانية ، لتوظيفهم في أنشطة إرهاربية ، ولكسب ولاءات جديدة وتجنيد إرهابيين جدد، وليس كما يدّعي ، وهذا ما تعيه الدولة السورية ، ولن ينطلي عليها.. وتالياً لن تتحقق رغبة واشنطن والغرب مهما تلطّت خلف الشعارات الإنسانية البراقة الكاذبة.. فإلى متى سيستمر مجلس الأمن في نفاقه السياسي ، والسكوت عن الانتهاكات والتغطية عليها ؟”.