تعد عقوبات ما يسمى «قيصر» الأشد وطأة على معيشة المواطن ويزيد «عيارها» الثقيل استمرار تداعيات الحرب على سورية وتحديداً مواصلة الاحتلال الأمريكي سرقة ونهب خيرات أرضنا ومواردنا النفطية، لكن برغم هذا الواقع الصعب يمكن تخفيف آثار الحصار الاقتصادي الظالم بالاعتماد على مقدرات القطاعات المنتجة وتحديداً الزراعي والصناعي وتفعيل استراتيجية الاعتماد على الذات وليس التلويح بها كشعار نتغنى به فقط، ولنا في الثمانينيات تجربة تحكي وتدرَّس وتستحق الارتكاز عليها للانطلاق في مسار الخلاص وتحويل ورقة العقوبات الضاغطة إلى ورقة رابحة في ظل امتلاك كل المقومات القادرة إلى نقلنا إلى برّ الأمان في حال تهيئة البيئة المناسبة لاستثمار ذكي بعيداً عن جيوب الفاسدين وأعوانهم.
الاعتماد على إمكاناتنا بشراً وقطاعات منتجة، تعدّ الخطوة الأولى بمسار تفعيل سياسة الاعتماد على الذات وتحقيق نتائج مثمرة تنعكس خيراً على الاقتصاد المحلي والمواطن المنهك، إلا أن ذلك لا يغني قطعاً عن تفعيل العلاقات الاقتصادية مع الدولة الصديقة «المبتلية» بداء العقوبات الأمريكية ذاتها، حيث يسهم تعزيز التبادل التجاري وتقوية العلاقات الاقتصادية مع اقتصادات الدول الحليفة إلى زيادة شكيمة اقتصادنا والإسراع بنهوض قطاعاته، وذلك بضخ منتجاتنا الزراعية والصناعية في أسواق «الحلفاء» والعكس صحيح عبر ضخ سلع اقتصادهم في أسواقنا، في اتفاقية تبادل مدروسة تحفظ حقوق الأطراف كافة وتحقق الإنماء المطلوب، لكن للأسف لا يزال التبادل التجاري مع الدول الصديقة دون مستوى الطموح في ظل استمرار العقبات الحائلة دون التفعيل المرجو، ما يتطلب «وقفة» متأنية تدرس فيها أسباب البطء في تفعيل اتفاقيات التعاون المشترك في ظل رغبة كل الأطراف إنجاز هذه الغاية المهمة، فاليوم مثلاً الكل متفق على أن العراق يعد السوق الرئيس للمنتجات السورية المرغوبة لدى مواطنيه لجودتها وسعرها المقبول، وهذا يوجب ضخها بكميات معقولة بلا عراقيل لكن للأسف “تجري الرياح بما لا يشتهي البلدين” وتستمر العقبات بلا حلول مجدية تحسن التبادل التجاري المأمول.
تفعيل العلاقات الاقتصادية مع الدول الصديقة والارتقاء بها إلى مستوى العلاقات السياسية بات أمراً ملحاً وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار نظراً لحجم العمل الكبير المنتظر، وهذا يحتاج خطوات فاعلة على الأرض مدعومة بقرارات من أعلى المستويات تحيي بعض الاتفاقيات «الميتة» وتحرك مياه التبادل الاقتصادي الراكدة، وهنا يعول على القطاع الخاص بتنشيط التعاون الاقتصادي مع الدول الصديقة لكن في المقابل يستلزم من الجهات المعنية تهيئة البيئة المناسبة لحركة نقل الأفراد والبضائع بطرق تقوي العلاقات الاقتصادية المشتركة وتعمم فوائدها على جميع المواطنين وليس على قلة قليلة اعتادت قطف الثمار بلا شبع ولا عطاء مقابل.