أن نرتدي الوهم ..!

1
يتوهم بعض الذين يشتغلون في حقول إبداعية أن الذين يشتغلون في حقل الصحافة، قد ولدوا من أجل خاطر عيونهم، وأن مهمتهم الوحيدة هي متابعة ما يرتكبونه من كتابات حتى لو كانت من قبيل (يا جمال البوبعة)، أو كانت دوافعها الأساسية مجرد إيديولوجيا بلا موقف أدبي، أي إنساني بالمطلق من دون تحيّز. فتجدهم لا يعترفون بالصحفيين إن لم يكتبوا عن إنجازاتهم المتعثرة، التي يتوهمون أنها في قمة الإبداع، وتستحق التبجيل ليلاً ونهاراً، وإلاّ اعتبروهم غير منصفين، وبيوتهم من زجاج، وبالتالي لا يحق لهم نقد أي عمل، والمطالبة بالتزام الموضوعية، لتحقيق كتابات نقدية موزونة.
2
كثيرة هي التصريحات من شرائح متعددة من المثقفين والمبدعين أن الإبداع والفنون صنيعة الإنسان في رحلة أوهامه نحو الخلود، وهي بشكلٍ أو آخر تحقق ذلك حتى لو كان وهماً أيضاً. فما تعاطينا بإبداعات الأسلاف إلاّ خلود لهم. لكن هذا النزوع يدفع للتساؤل هل هو إرادي منذ اللحظة الأولى؟ ففي ظننا لا يتم الاشتغال عليه منذ تفتح الموهبة، التي عادة ما تبدأ في سن الطفولة، والتي تتطور لاحقاً بالصقل والتجربة الذاتية، وبعضها يضيف الدراسة الأكاديمية. فنظن أن هذا النزوع لا يبدأ قبل وعي صاحب الموهبة، ماذا يعني أن يكون شاعراً أو رساماً أو ممثلاً أو كاتباً مسرحياً، إلى آخره؟ وبالتالي كأننا نعطي المسألة أكبر من حجمها، فهي تصبح نزوعاً لأنها التعويض الوحيد لخسارتنا الزمن في مسيرتنا نحو العدم.

3
بعض التسجيلات على الإذاعات السورية التي تبث على موجات الـ«fm» تتداول تسجيلات معطوبة لأهم أصوات الغناء العربي، أحياءً وراحلين، فهذه أغنية حُذفت كلمة من سياقها، وثانية قطعت قبل حرفين من انتهائها، وثالثة بلا خاتمة موسيقية، من دون أن يكون لتلك الإذاعات مسوغاتها في هذا الزمن، إذ تستطيع أي إذاعة تعويض ما يخرب لديها، من المواقع الإلكترونية التي حفظت تلك الأعمال بدقة عالية. إذ لا يجوز وفق أي منطق تداول أي عمل غنائي معطوب لسبب أو آخر، تماماً كما لا يجوز عرض لوحات لفنان راحل تعرضت للتخريب بسبب الرطوبة مثلاً، فمع الأسف نتداولها ونحن نتوهم أننا نفي إبداعاتهم حقها أو نكرّسها!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار