زيارة ملتبسة ومهينة
في زيارة لم تكن مفاجئة أو مستغربة في ظل الوجود غير الشرعي للقوات التركية على الأراضي الليبية، حطّ وفد تركي في مطار معيتيقة، بتعليمات من رجب أردوغان عشية قمة “ناتو” المقرر عقدها غداً في بروكسل، وذلك من دون علم السلطات الليبية في خطوة وصفت بالخارجة عن الأعراف الدبلوماسية والمهينة والمحرجة للحكومة الليبية.
المثير أنه في الوقت الذي كانت فيه السلطات الليبية وخاصة سلطات مطار معيتيقة آخر من يعلم بزيارة وفد النظام التركي، كان الجنود الأتراك على علم مسبق بها حيث طلبوا من الحراس الليبيين الابتعاد عن مكان هبوط الطائرة التي كانت تحمل وزراء الخارجية مولود جاويش أوغلو والدفاع خلوصي أكار والداخلية سليمان صويلو، إضافة لرئيسي هيئة الأركان والاستخبارات.
وفيما روّج الإعلام التركي للزيارة بأنها تندرج في إطار استمرارية التعاون القائم مع الحكومة الليبية، عقد أكار فور وصوله اجتماعاً مع الضباط الأتراك في مقر قيادتهم من دون حضور أي مسؤول ليبي، ما يشي بأن هذه الزيارة تأتي في إطار ترتيبات جديدة قادمة على الساحة الليبية.
رغم غياب الأهداف المعلنة للزيارة التي تأتي للمرة الثانية خلال شهر ، إلا أنها طرحت الكثير من التساؤلات حول أهداف الزيارة وتوقيتها وعلاقتها بالاتفاقيات الموقعة بين الحكومتين التركية والليبية، ناهيك عما تحمله من دلالات، فهي لا تقتصر على المسار السياسي فحسب، بل تنسحب إلى مسارات أخرى عسكرية واستخباراتية.
الزيارات التركية المتوالية إن كانت بعلم السلطات الليبية أو من دون علمها، هي رسائل يحاول من خلالها النظام التركي “شرعنة” وجود قواته في ليبيا رغم عدم شرعية الاتفاق الذي جاء بها، ناهيك عن أن هذه الزيارة استبقت عقد المؤتمر الدولي “برلين2” حول ليبيا المقرر عقده في 23 حزيران الجاري، في إشارة تركية صارخة لأن اتفاق جنيف الذي نص على خروج كافة المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا لا يشمل القوات التركية.
وعليه ليس مستغرباً أن نظام أردوغان لم يتخذ أي خطوة باتجاه تنفيذ مخرجات جنيف ولا يريد الخروج من ليبيا، وإنما يحاول من خلال زياراته المتكررة إيصال رسائل سياسية وعسكرية للتأكيد أن تركيا طرف فاعل بالتسوية السياسية القادمة ومن الصعب تهميشها وتجاهل مصالحها، فضلاً عن تثبيت الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية التي أبرمتها تركيا سابقاً مع حكومة “الوفاق”.
زيارة ملتبسة ومهينة، وتبقى العين مفتوحة على اتساعها بانتظار رد حازم من رئيسي المجلس الرئاسي والحكومة على تجاهلهما المستفز من النظام التركي الذي بات معلوماً للجميع أنه يتعامل مع الأراضي الليبية على أنها حديقة خلفية لأطماعه البائدة، وموطئ قدم له في المنطقة.