تشييع دائم للموضوعية ..!
غالباً ما نميل إلى تقديس من نحبهم من المبدعين وتقديس أعمالهم وكل ما ينتج عنهم، فإن كان المبدع صديقاً لنا ازدادت نسبة التقديس، ونسبة شراسة دفاعنا عما قد يوجد في أعماله من أخطاء, فإن ذكر أحد النقاد أو الصحفيين أو مستمع ما، أغنيةً لصديق لنا, وقال عنها ملاحظة، نشنّ عليه وبسرعة فائقة، حرباً تجعله يكره أذنيه والساعة التي أحب فيها فن الغناء, وإن تجرأ أحدهم وقال ملاحظة على ديوان شعر لصديقة أو قريب، سنعدّه جاهلاً ولا يفهم بالشعر، وربما نعدّه لا يجيد حتى قراءة اسمه، وكذلك الحال إن كان كاتب هذه الرواية أو ذلك المسلسل، أو ذلك البحث، من أصدقائنا، فسوف نستهجن رأي قريب أو صديق آخر لمجرد أنه تجرأ و رأى أن ثمة ما لا يغتفر في المسلسل أو الرواية أو البحث، فقط لأن صديقنا أو قريبنا هو مبدع ذلك العمل, فحتى الآن لا نملك قدرة على تلقي ملاحظة من آخر على عمل إبداعي لشخص يخصنا، كما لا نملك استيعاباً لحق الآخر في أن يكون عنده قدرة على توجيه تلك الملاحظة، على الرغم من أن العلاقة أحياناً تكون شبه متساوية بالمحبة والقرابة بين صاحب المنتج الإبداعي, وبيننا وبين صاحب الرأي النقدي أو وجهة النظر النقدية، لكننا لإعجابنا نحن بالعمل الإبداعي، نصادر حق الآخرين، بأن يقدموا رأياً يناقش رأينا, والأغرب في هذه المسألة أنّ الذين نقصدهم بإشارتنا في مفتتح الكلام، هم الذين يدعون دائماً لعدم تقديس التراث والماضي ورموزهما!.
فهل يستوي النقد بغير الموضوعية، كيف له أن يحقق أهدافه وفعالياته، في منأى عنها؟ فمن البدهي الإشارة إلى أن لا غاية لأي مقال نقدي سوى تسليط الضوء على ما هو سلبي وعلى ما هو إيجابي في هذا العمل الإبداعي أو ذاك، والسلبي قد يكون تقليدياً أو أخطاء ارتكبها صاحب العمل، أو لا منطقية ما كُتِبْ أو عُرِضَ، وافتقر لعنصر الإقناع، وأمّا الإيجابي فلا ينحصر بتعداد أهم المقومات الفكرية والفنية التي توافرت في العمل الإبداعي بإتقان، بل والإشادة بما هو جديد ومميز، وبما كشفه هذا العمل أو ذاك, ومحاورته بلغة عقلانية هادئة لا انفعالية، حتى لا يكون كلامنا أو كتاباتنا سوى تشييع دائم للموضوعية، مستكثرين حتى أن نضع وردة على ضريحها.