تعامل كثير من العرب القدماء مع فتح الأقاليم الواقعة خارج نطاق الجزيرة العربية كما لو كان الفتح مشروعاً قوميّاً شارك في إنجازه جميع أبناء تلك المنطقة تحت شعار الإسلام. وتشير التفاصيل التاريخية لتلك المرحلة إلى انخراط عرب كثيرين من غير المسلمين في إنجاز ذلك المشروع، كـ (المؤلّفة قلوبهم) وقبائل عربية ظلّت على النصرانية كـ« تغلب»، ومعظم« شيبان»، على سبيل المثال. وتذكر وقائع ذلك المشروع ما كان لفرسان القبائل الشمالية «العدنانية» من بلاء حميد في مختلف المعارك العسكرية التي شهدتها تلك المرحلة، بما في ذلك المعارك التي احتدمت لاحقاً في سياق التناحر السياسي الذي تفجّر بعد الفتح. وكان البلاء العسكري المميّز لفرسان القبائل البدوية بمنزلة التقليد المتوارث عبر الأجيال، بوصف الغزو وأعمال القتال، والنهب المتبادل بين القبائل جزءاً أساساً من طبيعة الحياة الرعوية، قبل أن يجري توحيد تلك الأعمال الحربية البينية وتوجيهها ضد عدوّ مشترك واقع خارج جغرافيا الجزيرة العربية في مرحلة الفتح. ومن العلامات الدالّة في الآناء التي سبقت عملية التوحيد ما كان قارّاً بخصوص احتقار العمل بأشكاله قاطبة لدى البدو الذين كانوا يرون الحصول على ما يريدون بالقوّة أمراً تلقائياً، وكان من المعيب لديهم أن يدفعوا ثمن شيء يمكن الحصول عليه بالقوّة، وربما كان القطامي أصدق من عبّر عن ذلك الواقع في أبياته المشهورة: (وإن تكن الحضارة أعجبتنا/ فأي رجال بادية ترانا* ومن ربط الجحاش فإن فينا/ قناً سلباً وأفراساً حسانا* وكنّ إذا أغرن على قبيلٍ/ وأعوزهنّ نهب حيث كانا* خرجن من الضِباب إلى حلال/ وضبّة إنه من حان حانا* وأحياناً على بكر أخينا/ إذا ما لم نجد إلا أخانا)
وفي وقائع المهاترات القبلية القائمة بين الفرعين الرئيسي القحطاني والعدناني ما قاله أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب في هجاء حسان بن ثابت ذي الأرومة اليمانية، جاعلاً انخراط اليمانيين في العمل والصناعة والأعمال الحرفية سبيلاً إلى احتقارهم والحط من شأنهم في أبيات مشهورة (يمانيّاً يشدّ على نفيرٍ/ وينفخ لائباً لهب الشواظِ) ردّ عليها حسّان في قصيدته الهمزية التي قالها في مدح الرسول وتهديد مشركي قريش، في سياق التمهيد لفتح مكّة (ألا أبلغ أبا سفيان عنّي/ لأنت مجوّف نخب هواءُ).