درسُ الوفاءِ السُّوريِّ
لا عجب أن ساسة الغرب وماكينات إعلامهم، ومن ورائهم مختبرات صناعة القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والاستخباراتي قد أدهشتهم، بل أغاظتهم عفوية وسلاسة وإنسانية وحضارية وديمقراطية الحشود الطوفانية وزلزالية هدير أصواتها و”تسونامي” تدفقها، وكل ما سبق الانتخابات، وخلالها وبعدها، من دون أي إشكالات، كما يجري في “أعرق” الديمقراطيات الغربية.
لقد حاول الغرب عبر محاولات مستميتة “استحضار مسرحيات مشاغبة” عبر الإعلام وتلفيق شائعات ودعايات وأكاذيب ممنهجة أو الدخول بشكل مباشر عبر المضي في التضييق على الشعب السوري بالحصار والمنع، لكن رد السوريين كان ساحقاً وحاسماً بآن معاً وترجم ذلك بهذه المشاركة اللافتة وغير المسبوقة في الانتخابات.
ردٌّ سوري بالغ، أدهش الجميع ودفع كبار السياسيين والمتخصصين بالشأن السوري، ومنهم السفير الأمريكي السابق لدى دمشق روبرت فورد، أشد الداعمين للتنظيمات الإرهابية، والذي قاد غرفة عمليات الحرب على سورية بالقول لصحفية «واشنطن بوست» الأمريكية، وبكل امتعاض: “إن تصويت الرئيس الأسد في مدينة دوما له دلالات غير خافية على أحد، وذلك يعد مؤشراً على فشل الدبلوماسية الأمريكية”.
اعتراف عميد الدبلوماسية الأمريكية وإن كان بلغة دبلوماسية، يحمل في الحقيقة رسالة واضحة بفشل كل فنون وأساليب الحرب المباشرة والناعمة أمام حكمة السياسة السورية الهادئة والرزينة.
الغرب على ما يبدو، لم يتعلم ولم يتعظ، من انتخابات 2014 رغم اختلاف الزمان وتطهير معظم الجغرافيا السورية من الإرهاب بنسبة 80%، فراح يعاود الرهان، فجاء طوفان بيروت فجر الـ20 من أيار الجاري الذي أعمى عيون صناع القرار الغربيين.. وجاءت الملحمة، في يوم الـ 26من الشهر ذاته، لتكون الضربة القاضية، بتناغم الخارج والداخل لعزف سيمفونية سورية لا أجمل ولا أروع، حيث تدفق الآلاف من كل حدب وصوب يعزفون لحناً سورياً وطنياً، ويبعثون أبلغ الرسائل وأوضحها ليثبت السوريون للعالم -الصديق قبل العدو- أنهم شعب لا يخضع لضيم ولا ينحني إلا لله, ولا يقبل الهوان.. ويهوى التحدي ويحوله إلى عمل وإنجاز..
لقد قلب شعبنا الموازين ونسف قواعد اللعب التي جهد الغرب في “هندستها” على مدار سنين وصرف لأجلها المليارات وعول على تطبيقها وتنفيذها من المجموعات الإرهابية تارة، وبحرب مباشرة واحتلال أراضٍ سورية تارة أخرى.
لكن السوريين أثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أن القواعد توضع في سورية وحدها.. ويضعها السوريون أنفسهم ويحددون نقطة صفرها.
لا شك أن الانتخابات الرئاسية بعثت رسائل للعالم، رسائل إعجازية أذهلت السوريين أنفسهم قبل أن تذهل العالم، وقبل إصدار نتائج الانتخابات وصلت الرسالة لصناع القرار في عواصم الدول الـ180 التي شنت حرباً كونية عسكرية واقتصادية وإعلامية وناعمة على الدولة السورية، أرادوها حرباً تأكل الأخضر واليابس، ولكنها عجزت أن تكسر إرادة ووفاء وإخلاص السوريين لوطنهم ولجيشهم ولقائدهم..
التصويت عبّر عن شهامة وعظمة ووفاء وصمود السوريين، وهذا ليس بجديد على هذا الشعب العريق الأبي الصابر الصامد.. ولكن يُعذر صناع القرار في الغرب لأنهم يجهلون إعجاز السوريين ولا يفهمون هذه الخاصية الرمزية في سلوكيات المواطنة الصالحة للسوريين التي تظهر وتسمو وتشمخ في الأزمات.
فمن لم يهزم بعد عشر سنوات حرب كانت أكثر من عالمية وفعلت ما فعلت، لم ولن يهزم بالحصار الاقتصادي الجائر ولا بتشديد الإجراءات القسرية غير الشرعية ولا بالتهديد والوعيد بتجديد سيف الحصار على رقاب السورين التي باشر بها الغرب غداة مشاهدة هدير الجماهير السورية الزاحفة إلى صناديق الاقتراع..
السوريون لقنوا ما يسمى ديمقراطيات الغرب دروساً سوف يخلدها التاريخ وتحفظها أمهات الكتب بأنهم شعب أبي لن يكون إلا مع دولته الوطنية وخياراتها، شعب وفي لمن صمد، شعب يعشق التحدي في سبيل كرامته.
إنّ الغرب إذا كان صادقاً مع نفسه، وشجاعاً، عليه أن يعتذر من شعوبه والاعتذار من السوريين على ما اقترفت أيديه بحق سورية وشعبها من دمار وخراب وإجرام يندى له الجبين الإنساني.
السوريون صبروا وصمدوا وانتصروا على الحرب المفروضة عليهم في الميدان وفي صناديق الاقتراع، وقادرون أن يصبروا، بل يبدعون أكثر في دروس الالتفاف أكثر حول قيادتهم التي صبرت صبرهم وأوفت لوفائهم وعاهدت عهدهم وقدَّرت تضحياتهم في أشرس حرب تمر بها دولة على مرِّ التاريخ.