«تَنْتِيع»

التقيت بصديقي أبو صابر بعد مدّة من الانقطاع عن معرفة أخباره، وما إن بادرته بالسؤال عن أحواله، حتى أجابني بأنها «تُنَتِّع تنتيعاً شديداً»، ورغم أنني استشففت من ردِّه بأن أوضاعه «مكركبة»، إلا أن ذلك لم يشفِ غليلي بمعرفة الصورة العامة لحاله، فاستوضحته أكثر، فما كان منه إلا أن ضرب لي مثالاً لا يُشقّ له غُبار، ويُعبِّر أجود تعبير عما آلت إليه أوضاعه، إذ قال لي: «أعرف أن لك اطلاعاً كبيراً بكل ما يتعلق بالسيارات ومحركاتها ومشاكلها الميكانيكية والكهربائية، فتخيَّل معي أنني أواظب على إصلاح سيارتي المتواضعة، لحفظ ماء وجهي من ذُلّ المواصلات العامة، وبأنني أُغيِّر زيتها باستمرار ولا أقبل بغير زيت سادكوب (سوبر إكسترا) ذي العلبة الخضراء المعروفة، وأبدِّل مصفاة الزيت مع كل غيارين، كما أُغيِّر البواجي بوقتها المحدد، وأختارها من النوع الممتاز، ولا أنسى تبديل مصفاة البنزين كل فترة، وأيضاً أنتبه لمستوى مياه دارة التبريد باستمرار، حتى إنني غيَّرت «قشاط» الصدر منذ فترة، و«قشاط» الكرنك الخاصة بالمراوح وغيرها، درءاً لأي انقطاع مفاجئ، وما يستتبعه من بهدلة ما بعدها بهدلة، قد تصل إلى خراب المحرك بالكامل، ورغم كل ذلك، عندما كنت عائداً مع أسرتي من مشوار مسائي، وعند المتحلق الجنوبي الذي اقتطعت مديرية صيانة الطرقات منتصفه منذ شهر تقريباً، حتى بدأت السيارة تُنتِّع تنتيعاً، لدرجة كدت أُصاب بالجلطة، خوفاً من حادثٍ كان وشيك الحدوث، فما كان مني إلا أن أخذت يمين الطريق وشغَّلت (الفلاشر)، وبدأت أمشي الهوينى، ورغم أنني أطفأت السيارة عندما أتيح لي ذلك وأعدت تشغيلها، إلا أن التنتيع بقي على حاله، وبعد عرضها في اليوم التالي على فنّي صيانة شاطر، سألني من أين أملأ خزان وقودي، فأجبته بأنني منذ سنوات أملؤه من كازية غرب الميدان.. استغرب حالتي، وأخبرني بأن (دبُّو) البنزين بحاجة إلى تنظيف، وكانت المفاجأة عندما استخرج منه عشرة ليترات بنزين، وما يزيد على السبعة ليترات من الماء، قائلاً: «وبدَّك ياها ما تنتِّع معك»، صحيح أن السيارة عادت إلى طبيعتها، لكن خزان وقود حياتي ما زال هناك من يضع فيه الماء وبحاجة إلى فنّي صيانة شاطر».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار