أردوغان يقطع الماء في رمضان
من لا يشاهد بأم العين، لا يدرك فداحة الصورة، فالفرات الذي كان بالأمس “بحراً” بات ساقية!
المحاصيل على ضفتي النهر مهددة، سنابل القمح تذوي وتنحني من شدة العطش، نخيل الفرات يصارع كي لا يموت إلا شامخاً، وطيور البادية التي كانت تطوف وتعب من سلسبيل الفرات تلهث اليوم على قطرة ماء، فكيف حال صغار أعشاشها البعيدة بعمق البادية؟
سيمفونية محركات الضخ التي كانت تؤنس الفلاحين والمزارعين على سرير الفرات تصمت بحزن لحال النهر (يكون أكثر غزارة في أيار بسبب موسم ذوبان الثلوج في المنبع).
هذا ليس تراجيديا خيالية وإنما حقيقة وجريمة كبرى أخرى تضاف إلى جرائم النظام التركي، الذي يتربع من دون منازع على رأس قائمة من يرتكب جرائم ضد الإنسانية بحق جيرانه السوريين والعراقيين، الذين اعتادوا جرائمه، التي تضاف إلى جرائم أجداده العثمانيين التي تغص بها كتب التاريخ والجغرافيا.
قطع مياه نهر الفرات عن السوريين.. في وقت نمو ونضوج المحاصيل الزراعية وارتفاع درجات الحرارة إنما هو قرصنة موصوفة وعن سبق الإصرار للإضرار بحصة سورية من المياه وتخفيضها من 500 متر مكعب في الثانية إلى أقل من 200 متر مكعب في الثانية رغم وضوح الاتفاقية الموقعة بين سورية والعراق من جهة وتركيا من جهة أخرى منذ العام 1987.
هذه الجريمة الموصوفة أدت لانخفاض منسوب المياه إلى الحد الأدنى وإلى خروج محركات الضخ على سرير النهر من الخدمة، وهذا أدى لمنعكسات سلبية وأضرار جسيمة بالمحاصيل الزراعية الصيفية وعلى الثروة السمكية والبيئة والحياة البرية.. ولكن السؤال: لماذا هذه القرصنة بهذا التوقيت وهل هي صدفة أم مقصودة ومدروسة؟
واضح أنها ممنهجة للغاية، الهدف منها ضرب محصول القمح وحرمان الدولة السورية من محصول إستراتيجي ومعاقبة الفلاحين على وفائهم لوطنهم.. وحرمان السوريين من رغيف الخبز اتساقاً مع حرمان ساكن البيت الأبيض جو بايدن للسوريين من سلتهم الغذائية والنفطية والغازية في الجزيرة السورية.
هذه القرصنة أدت في الوقت ذاته لانخفاض المنسوب في سد الفرات وتوقف كل عنفات توليد الطاقة الكهربائية الذي سبب خروج خط توتر /230/ الواصل بين محطتي “الطبقة والبواب” عن الخدمة، والذي سبب قطع الكهرباء عن محافظة الحسكة لليوم التاسع على التوالي وهذا ما يصبو إليه.. بل ذهب رئيس النظام التركي بعهره إلى أبعد من ذلك عندما حجز مياه روافد نهر الخابور، الأمر الذي أدى إلى جفافه نهائياً وتوقفت كل الأنشطة الزراعية، وموت المزروعات على سرير النهر.
سرقة النظام التركي لحصة سورية من المياه في رابعة النهار وأمام أنظار المجتمع الدولي، الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمنظمات الدولية، وما يسمى “الجامعة العربية”، ومنظمة التعاون الإسلامي يشي كما يقول المثل «السكوت رضا».. أليس سكوت المجتمع الدولي وتغاضيه عن جرائم أردوغان بحق جيرانه والعالم غطاء وشرعنة لها، أو بمعنى ما مباركة لها أو اشتراك فيها؟
النظام التركي، الأب الروحي والوريث الشرعي للإخوان المسلمين في المنطقة والعالم يعربد باسم الإسلام والإسلام منه براء.. ويدعي كما ادعى أجداده العثمانيون أنهم «رعاة الإسلام وحماة المسلمين» زوراً وبهتاناً وهم من احتلوا الأوطان ومنها الوطن العربي ليكون شماعة النهب والسرقة والقتل.
خلاصة القول، وهذا برسم “لص المنطقة” من يدافع عن الإسلام والمسلمين، لا يسرق أرزاقهم وحاجاتهم، لا يقطر معاملهم ومصانعهم، لا ينهب صوامع حبوبهم، لا يحتل أرضهم ويهجرهم.. لا يغير أسماء البلدات والقرى والمدارس، لا يفرض اللغة والعملة التركية «تتريك المناطق المحتلة».. بل لا يقطع مياه الشرب عن المسلمين وفي شهر رمضان المبارك وقبل أيام قليلة من حلول عيد الفطر وبوقت تم فيه تشديد سيف الحصار الاقتصادي والإجراءات القسرية أحادية الجانب غير الشرعية المسلط على رقاب السوريين.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النظام التركي يحاكي الكيان الصهيوني بسرقة المياه العربية والسيناريو الإثيوبي بقطع مياه النيل للضغط على السودان ومصر.. وهكذا يفعل النظام التركي وفي ذات الوقت والتوقيت للضغط على سورية والعراق.. ولكنه هذه المرة «بطربوش» السلطان تارة، و«عمامة» المرشد تارة أخرى، ومظلة “ناتو” مرة ثالثة.
ما يفعله أردوغان بحق السوريين اليوم ليس بجديد فهو يعيد سيناريو أجداده العثمانيين وبنفس الدعاية وبذات الكذبة.. لكن كذبته لن تنطلي علينا لأننا خبرناه وجرّبناه.. فهو سليل ورضيع أيديولوجيا إخوانية لا عهد لها.