الكندوش
هكذا يُقارب (الكندوش) اليوم، من عرض آخر حلقاته، هذا المسلسل الذي ترافق تصويره مع حفاوة إعلامية، اكتشفنا حل لغزها متأخرين قليلاً.. لاسيما بعد حالتين انتابتا أكثر المُتابعين للمسلسل، أو الذين انتظروا مُتابعته بعد كل (فخامة) الحفاوة الإعلامية التي رافقت التصوير أولاً بأول، ومن (لوكيشن إلى لوكيشن)، حفاوة تمثلت بالمؤتمرات الصحفية الفاخرة في (أوتيلات) خمس نجوم، ثم التصريحات الصحفية الواعدة التي أطلقها نجوم المسلسل من مخرج وكاتب وممثلين بارزين، وبعد كل هذه الحالة التعبوية كان حشد الكثير من نجوم الصف الأول مع أبنائهم، ولا أدري إن تمّت مشاركة الأحفاد والإخوة الأشقاء، أو غير الأشقاء!
أقول رغم كل هذه الحال التعبوية التي تمّ الاشتغال عليها خلال تصوير المسلسل، والتي كانت تعد جميعها بخرقٍ (حارق خارق مُتفجر) في دراما البيئة الدمشقية التي تُريد إبعادها، أو الخروج بها من زواريب (باب الحارة) السيئ الذكر إلى فضاءاتٍ أجمل!
غير أن مرور الحلقات الخمس الأولى من المسلسل كانت كافية لأي مُتابع لأن يفغر فاه (يعني يفتح تمو مندهشاً)، ويضرب كفاً بكف، وربما يضرب جبهته، ويصرخ (بلاها ليصرخ، أو ليصيح)، بل ليقول ويسأل: أين ما وعدتمونا به؟ بل يسأل السؤال: –(تبع) براءة الأطفال في عينيه- ماذا لو أدخلنا حلقات الكندوش، ووزعناها في أي جزء من أجزاء المسلسل (الفلتة) باب الحارة؛ هل كنا استطعنا أن نعرف الحدود التي تفصل بين المسلسلين؟.
إذاً الدعاية التي رافقت تصوير المسلسل؛ كانت تحضرية لتؤكد لنا أن (زاروب حارتي واحد)؛ وأن فخامة الكندوش لا يعدو سوى أن يكون فرعاً جديداً –لكن ليس مُختلفاً– عن (ملحمة) باب الحارة، فالخيّرون هم أنفسهم، و(النشترية والزعران ما غيرهم بـنفس (التشحيط) بالكندرة العتيقة والتلصص على (النسوان)، وسرقة الذهب والمصاري، وحلاق الحارة، والمختار و(الكركون).. علامات ثابتة لا تتزحزح في الحارة الدرامية الدمشقية..
(لحظة شوي)، ثمة اختلاف، هذه حقيقة يجب على المُتابع المُحايد أن يعترف بها ففي (الكندوش) ليس ثمة (عكيد) يكز على أسنانه ويُربي (النشترية) بما يليق بهم، ويصرخ بالجميع إن المسألة كلها لا تعدو أكثر من (شغلة ناكتة)، بل ليس ثمة (زعيم)، الصورة المناقضة، ولكنها المُتممة لصورة (العكيد)، بمعنى؛ واحد يعطي الدروس بالعضلات، والآخر بالحكمة والموعظة الحسنة!
مع ذلك، أريد أن اعترف بأمر إيجابي جداً، وهي الحالة البصرية العالية التي كانت لعبة المخرج سمير حسين الذي أبدع في اختيار المشاهد، ولعبة الليل والنهار، وحالات التراجيديا من حزن وفرح وشغف وتوق على الوجوه، وفي اشتغاله على حالات بصرية زاخرة بكل التفاصيل من حركة الأقدام التي تُشير إلى زمن أحذية ذلك الزمان، وحتى الطرابيش.. غير أن هذه الحالات البصرية العالية كانت محاولات يائسة لإغناء التوليفات المُفبركة للنص الضعيف، ومن ثمّ فإنّ كل تلك الحالات الجمالية لم تُفد بشيء سوى الحالة (التزيينية) الشكلانية، التي يُستفاد منها في مجالات تخص الفلكلور وحسب.. وهو ما يُمكن أن نُفسره في الحوارات الإنشائية الطويلة، وكذلك في الولائم العامرة بمختلف صنوف الأطعمة والحلويات، والرقصات الطويلة في استقبالات النساء، أو رقصات الرجال في الحمامات، وغير ذلك من المشاهد البصرية التزيينية الشكلانية التي أفعم من خلالها المخرج المشاهد بحشدها في ثنايا الحلقات وتطويلها لتصل سقف الثلاثين حلقة..
أخيراً؛ الممثل الجيد، ليس بالضرورة أن يكون باستطاعته أن يكتب سيناريوهاً جيداً، والتوليفات الساذجة لحكايا بسيطة لا تصنعُ حدثاً درامياً يُمكن أن نبني عليها مسلسلاً، ومخرج يملك عيناً مهما بلغت حساسيتها لا تسطيع أن تُعلي من نصٍّ ضعيف مهما حشد له من نجوم، ومهما ألف له من تزيينات، لأنها تبقى حالة تزيينية وحسب.
وكل كندوش.. وأنتم بخير!.