«درامادول»

صدق رسام الكاريكاتير السوري «فارس قره بيت» عندما نَحَلَ مُصطلح «درامادول» في إشارته إلى الأعمال الدرامية التلفزيونية وتأثيرها، إذ باتت أشبه بحبوب الِمُسكِّن من العيار الثقيل، ويزداد مفعولها مع انخفاض مستوى المناعة الثقافية لدى متابعي المسلسلات، خاصةً في رمضان حيث تكون البطون عامرة، وضخ الدماء في الأجسام متوجه نحو المعدة بمعدلات تفوق تلك الواصلة إلى الدماغ بنسبة كبيرة، وانطلاقاً من ذلك يصبح هناك إدمان على الدراما، وقوة جاذبة تتخطى الوعي باتجاه اللاوعي، بحيث إن التخلص من ذاك الإدمان، والإقلاع عن التعاطي مع ما تعرضه الفضائيات من أعمال درامية، يحتاج إلى إرادة قوية والتزام تام بخطة العلاج.
التسكين الحاصل في الدراما، لا يشبه بشكل من الأشكال التطهير الذي تحدث عنه أرسطو، بل على العكس تماماً، إذ بالمجمل ليس هناك اشتغال صحيح على المأساة، ولا مقاربة لمرارة الواقع بحساسية إبداعية عالية المستوى، بقدر إشاحة النظر عنّا، والتَّرفع عن الخوض فيما يعنينا، والسعي قدر الإمكان لـ«فَلش» الأحداث على ثلاثين حلقة وتعويمها، لدرجة لا تهم أحداً، فتصبح دراما «أخت مفلوشة»، تنتظر فيها حدثاً ما فلا يأتي، وتترقب منعطفاً أو تصعيداً أو نموّاً للأفعال فتعود بخفّي حنين، وفي كثير من الأحيان .. حتى ذلك الخُفَّين لا تعود بهما، والأنكى أن الكثيرين اعتادوا متابعة تلك السذاجات الدرامية، ليس محبةً، بل بحُكْم التقنين الكهربائي، فيستكينون رغماً عن أنفهم، ولو سبَّب لهم ذلك «لعية» في النفس، واضطرابات هضمية، وتوترات نفسية، لذا تراهم مُتَمَترسين أمام الشاشات في انتظار الفرج الدرامي الذي لن يأتي، إلا لُماماً، عبر شخصية ما، أو موقف، أو نصف حدث، أو ربع حبكة،… ورغم كل ذلك يُدمن المشاهدون الدراما التلفزيونية على علَّاتها، وكأنها فرض رمضاني، لا تهدأ أوجاعهم من دونها، فهي عقار للنسيان، والتَّلهِّي عن المُرّ، ولو بأمرّ منه، على مبدأ «اللي بيشوف مصيبة غيرو بتهون عليه مصيبته».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار