لم أعش تلك التجربة التي ينال فيها الطفل مكافأة لأنه أنهى قراءة كتاب، ولم يتبادر إلى ذهني حينها أن المكافأة الحقيقية هي الكتاب بحد ذاته، وما قرأته فيه، وساهم بشكل أو بآخر بتكويني شخصياً.
ففي ذاك الزمن الغابر، حيث لم يكن هناك هواتف ذكية، وكمبيوترات محمولة أو لوحية، وإنترنت، كنّا نؤمن بمقولة بورخيس بأن «الجنة ستكون على هيئة مكتبة»، ليس إيماناً ميتافيزيقياً، بقدر ما هو شغف بعوالم الكتب والقراءة، الذي كان يدفعنا في كثير من الأحيان لادخار جزء كبير من مصروفنا بغية شراء كتاب جديد، والاتفاق بين مجموعة من الأصدقاء لتحديد عناوين مختلفة لشرائها، ومن ثم تبادل الكتب بيننا، لنستطيع بمبالغ قليلة أن نحقق أكبر فائدة للجميع.
أما في زمن الفيسبوك أو “كتاب الوجه”، كما يحلو للبعض تسميته، فاللعبة اختلفت، وبات الهم الأكبر هو تزيين ذاك الوجه الأزرق، وليس عقل صاحبه. صحيح أن المعرفة باتت متاحة بشكل أكبر، وأكثر سرعة، ومن دون كبير جهد في الحصول على المعلومة، لكن صار هناك استسهال مَرَضي، فبدل قراءة كتاب – ولو إلكتروني – بات الغالبية يكتفون بمُلخَّصِهِ، وبدل التَّعرُّف على تجربة فلان من الروائيين أو الشعراء أو المسرحيين، صارت الأقوال المأثورة المقتبسة عنهم هي سيدة الموقف، رغم أن معظمها قد يكون منسوباً لهم بشكل خاطئ، وبدل تبادل الكتب والآراء حولها، باتت المنشورات المبتسرة هي التي تتم مشاركتها، حيث إن التقاليد الجميلة للقراءة بما فيها رائحة الورق، والملاحظات على الهوامش بقلم الرصاص، ما هي إلا “نوستالجيا” لدى البعض، استبدلها جيل اليوم ببعض الاقتباسات التي يساعد فيها «الدكتور غوغل» من أجل تبييض وجه صاحب المنشور، ومحاولة زجِّه ضمن جمهور القراء ولو عنوة، لدرجة انمحت فيها الذاكرة وباتت خاوية من دون مساعدة محركات البحث، إلى الحد الذي نستغرب فيها ماهية الشخصية التي ستتكون بالاتكاء على عالم القراءة الافتراضي، خاصةً في حالة عدم امتلاك الوعي الكافي لإدارة أدواتها المعرفية القَيِّمة، ولا ندري هل ستصبح الجنة القادمة على هيئة كتب «بي دي إف» مثلاً؟