هل فكرت وتأملت في شهر رمضان المبارك؟ لماذا علينا أن نجوع؟ وهل الغرض أن نعاني من التعب والضعف خلال فترة الصيام على طول ثلاثين يوماً !
تأمل .. عندما تشبع النفس وتغنى وتتخم بالشهوات ومظاهر القوة، تضعف الروح والقلب و يكاد الإنسان لا يرى أكثر من تأمين المزيد من الحاجات حتى يكاد أن يصبح قلبه أعمى وروحه عليلة، وغضبه كبير وطباعه حادة وخوفه مستفحل.. و يبرر لنفسه كل الأعمال. في المقابل عندما تجوع النفس في رمضان وتضع حداً لحالة التهافت على الشهوات تتفتح البصيرة، ويبدأ القلب والروح بالشفاء والتعافي ولاسيما من أمراض الحزن والاكتئاب التي أصبحت مظهراً من مظاهر الحياة الاستهلاكية ..
وهكذا ستكتشف أنك في كل يوم جديد في رمضان تفتح صفحة جديدة للخروج من نمط الحياة الاستهلاكية والركض وراء الشهوات إلى حالة جديدة إنسانية تفكر بها كيف تكون إنساناً حقيقياً محباً متسامحاً معطاء .
رمضان هو الخروج من الصندوق الروتيني للحياة إلى شهر مختلف تسمو فيه النفس والروح بعيداً عن الاكتئاب مرض العصر الذي يصيب الإنسان عندما يريد أن يحصل على أشياء وأشياء لكنه لا يستطيع لسبب ما أن يحصل عليها فيجلس محزوناً مكتئباً وينسى أن العطاء هي حالة إنسانية راقية وسامية تجدد الفرح في القلب وتتيح للمشاعر الصادقة الظهور، فعندما تبتسم في وجه زميلك وتخلص في عملك وتلجم لسانك بطيب القول فأنت تصنع مناخاً من الحب والأمل والراحة لقلبك ولقلوب من حولك.
هذه المعاني الجميلة للصيام ومقاصده الرائعة في قراءة القرآن والتأمل والاستغفار في الأسحار وقيام الليل وذكر رحمة الخالق العظيم والمنعم والدعاء والتوسل وكل مظاهر العبادة التي نلمسها خلال الشهر الكريم من تحقيق للأخلاق على المستوى الفردي، وللوحدة والتكافل على المستوى الاجتماعي تثير الإعجاب والتعجب في الوقت نفسه؛ أما الإعجاب فبما يحمله هذا الشهر من خير وبركة ورحمة، وما يغرسه من قيم من شأنها أن تنهض بالإنسان وتحقق فيه معاني إعمار الأرض التي كرّمه الله سبحانه من أجلها حتى باهى به الملائكة، وأما التعجب فمما يشهده واقع الحال المعاصر وأحياناً – للأسف الشديد – من تناقض يكاد يصل حد التضاد مع أهداف الصوم ومقاصده، ومما يجترحه الإنسان من إفساد في الأرض .
أن أشد من يسيء لرمضان هو بعض الصائمين لما يظهرونه من أفعال وسلوكيات تتنافى مع ما جاء به هذا الشهر الفضيل من تسيب وكسل وتعصب وتهافت على الطعام والشراب وغش وتلاعب بالأسعار واستغلال حاجات الناس، لأنهم بهذا السلوك يسيئون ويعطون حالة غريبة ومشوهة عن رمضان .
ولاشك في أن الأخلاق الطيبة والصبر والإحسان والتكافل والرحمة هي الدروس والعبر المطلوب تمثلها في هذا الشهر الفضيل .